الجمعة، 16 ديسمبر 2011

مذكرة مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد موجهة لرئيس الحكومة المقبلة

لا شك أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011 كان واضحا ومستحقا، غير أننا نسجل، مع الأسف، أنه يندرج في سياق يتميز باستمرار عدم الثقة في علاقة المغاربة بالطبقة السياسية. واقع مؤسف يمكن الاستدلال عليه من خلال مؤشرين:
أ - نسبة المشاركة في الانتخابات تظل دون مستوى التطلعات. 6 ملايين مغربي فقط هو عدد الذين توجهوا إلى مكاتب التصويت يوم 25 نونبر، من أصل 21 مليون مغربي في سن التصويت. أي أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات لم ترتفع سوى بـ10 في المائة مقارنة مع النسبة المسجلة في انتخابات 2007.
ب - لا شك في أن فوزكم واضح وجلي، إلا أنه في ضوء هذا المعطى، يظهر أن مليون ونصف مغربي فقط هم من صوت لصالحكم من أصل 13 مليون و500 ألف مسجل في اللوائح الانتخابية (نذكركم أن عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية سنة 2011 تراجع بحوالي مليونين مقارنة مع المسجلين في اللوائح الانتخابية سنة 2007، كما أن عددهم يبقى ضعيفا مقارنة مع عدد المغاربة في سن التصويت والذي يبلغ 21 مليونا). يتعلق الأمر إذن ب11 بالمائة فقط من الجسم الانتخابي.

في كل الأحوال، وانطلاقا من قناعتنا بأهمية المقاربة البناءة والإيجابية لبناء الثقة، نعتقد أن المائة يوم الأولى من عمر الحكومة التي يقودها حزبكم، يفترض أن تبرز خلالها رسالتين أساسيتين:
أ – القطيعة مع الماضي من خلال إشارات قوية تكون كفيلة بإقناع المترددين والمشككين ومحفزة لخلق دينامية تغيير حقيقي. رسالة يمكن إبرازها من خلال إجراءت رمزية عاجلة لتفادي استمرار الشك وعدم الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة.
ب – إقناع 20 مليون مغربي الذين لم يصوتوا لصالحكم بدعم مجهوداتكم ومنحكم الفرصة لتطبيق برنامجكم. تحقيق هذا الهدف من شأنه أن يمنحكم الدعم الشعبي الذي ستكونون في حاجة إليه، حتما، عندما تواجهون مختلف اللوبيات والقوى المقاومة للتغيير. يتعلق الأمر بكسب ثقة المواطنين عامة وليس فقط ناخبيكم وقواعدكم الحزبية.

لتحقيق هذا الغرض، فكرنا في 11 إجراء رمزيا شجاعا ومفيدا للبلاد. إننا مقتنعون بأن ولايتكم ستنطلق في أفضل الظروف، وأنكم ستكونون قادرين على بناء الثقة بين المغاربة والطبقة السياسية، إذا اتخذتم هذه الإجراءات. عندها كل شيء سيصبح ممكنا في بلادنا.

أ – خلق مناخ ملائم للانتقال إلى الديمقراطية
1. دمج اللوائح الانتخابية وقاعدة بيانات بطائق التعريف الوطنية وإصلاح قانون الأحزاب السياسية.
أكيد أن شرعية المؤسسات معطى جوهري في أي انتقال نحو الديمقراطية، لذلك من المستعجل إعطاء إشارة قوية على هذا المستوى بإعفاء كل المغاربة البالغين سن التصويت القانوني من التيه في دواليب الإدارة قصد التسجيل في اللوائح الانتخابية، واعتماد قاعدة بيانات بطائق التعريف الوطنية مرجعا وحيدا لهذا الغرض.
أظهرت التجربة أن الانتقال نحو الديمقراطية ينجح بظهور عدد كبير من الأحزاب السياسية في مرحلة أولى (حدث ذلك في اسبانيا بعد فرانكو ويحدث اليوم في تونس بأحزابها المائة). بعدها تأتي مرحلة التكتلات. أكيد أننا نتوفر في المغرب على عدد كبير من الأحزاب السياسية، لكن جزء مهما منها، كما تعلمون، امتداد للإدارة. فتح المجال اليوم أمام كافة الحساسيات المستقلة عن الإدارة للتعبير عن نفسها والتنظيم، أمر حاسم وفي غاية الأهمية من أجل تشجيع المواطنين على المشاركة في الحياة العامة.

ب – محاربة الفساد وتخليق الحياة السياسية
احتل هذا الموضوع حيزا هاما خلال حملتكم الانتخابية، كما أنه محور أساسي في معركة شباب حركة 20 فبراير، وكافة التقدميين الصادقين والسواد الأعظم من المواطنين ذوي النيات الحسنة. على هذا الصعيد، ننتظر منكم الضرب بقوة وسرعة: تعلمون أن الإجراءات الرمزية والمعبرة يكون لها وقع هام في مجال محاربة الفساد. عليكم أن تبرهنوا في أسرع وقت: (أ) أنكم لستم من نفس طينة الفاسدين وأنكم لن تتسامحوا معهم في إداراتكم. (ب) أنكم تحدثون قطيعة واضحة مع الماضي، وخاصة ما يتعلق بالإفلات من العقاب. نقترح عليكم في هذا المجال ثلاثة إجراءات قوية:
2.
www.chafafiya.gov.ma أو نشر التصريح بالممتلكات للمسؤولين العموميين على الأنترنت: نقترح عليكم إنشاء موقع الكتروني يكون مفيدا فعلا، على أنقاض موقع "مكاسب. ما" غير المأسوف عليه. نلتمس منكم أن تنشروا على موقع "شفافية" التصاريح الكاملة بالممتلكات الخاصة بالوزراء ومدراء الشركات العمومية وكافة الموظفين السامين (الموجودون حاليا وأؤلئك الذين ستقومون بتعيينهم لاحقا). هذه المبادرة ستكون لها عدة نتائج إيجابية: كما تعلمون الفساد ينتعش في الظلام، وتسليط الضوء على ممتلكات المسؤولين العموميين ليس فقط إجراء رمزيا قويا تعطون به المثال، بل من شأنه أيضا أن يحبط أطماع بعض المرشحين لمناصب سامية... ضرورة الشفافية أمر واقع في كل البلدان الديمقراطية، ولا عذر للمغرب في أن لا يتبنى هذا النهج. في نهاية المطاف، من يتطلع للحكم يفترض أن ليس لديه ما يخفيه.

3. خلق جهاز فعال لمحاربة الفساد بسلطات واسعة للتحقيق والمتابعة القضائية: لا بد من تحويل الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة إلى جهاز فعال لمحاربة الفساد، يتوفر على سلطات التحقيق والمتابعة القضائية. جهاز تحددون له أهدافا مدققة وتستصدرون له ترسانة من القوانين العقابية القاسية. بالمقابل يجب أن يشتغل هذا الجهاز في شفافية تامة تمكنه من نشر تقارير أبحاثه في حدود احترام مبدأ قرينة البراءة. تقع عليكم مسؤولية أن تفرضوا تعيين شخصية نزيهة لا تحوم حولها أي شبهة على رأس هذا الجهاز وأن تحددوا لها أهدافا واضحة. بمجرد انطلاق أشغال حكومتكم، ينتظر منكم أن تبعدوا عددا من رموز الفساد واقتصاد الريع (سيكون لكم الاختيار بين إحالتهم على التقاعد أو على القضاء). من المفترض أن تحصلوا من مصالح إدراة الضرائب والمحافظة العقارية على ما يلزم من معلومات تمكنكم من التعرف على المسؤولين العموميين - في كافة مستويات المسؤولية – الذين لا تتناسب ثرواتهم والتعويضات التي يحلصون عليها مقابل مهامهم.
4. انشروا فورا لوائح أسماء من يملك كافة أنواع الأذونات (الكريمات) في النقل والصيد البحري والمقالع... في أفق إصلاح هذا الوضع داخل أجل سنة واحدة: تعرفون جيدا أن الأذونات (الكريمات) هي أوضح مظاهر الفيودالية والمحسوبية ودولة اللاقانون. ستحدثون قطيعة جذرية مع الماضي إذا نشرتم للعموم لوائح بأسماء المستفيدين من هذه الامتيازات (مع جميع المعلومات التفصيلية). يجدر بكم، في غمرة ذلك، أن تعلنوا عن إصلاح شامل لهذا النظام بما يضمن العدالة الاجتماعية والشفافية (لا يعقل، مثلا، أن يدفع سائق تاكسي ريعا شهريا لشخص آخر لكي يتمكن من ممارسة مهنهته).

ج. عقلنة عمل الدولة
هاهنا أيضا تجدون أمامكم مجالا واسعا للعمل، لكثرة "الأوراش الكبرى" التي لا تملك من الكبر سوى حجم الاستخفاف الذي طبع إطلاقها. نقترح عليكم، من أجل الانتقال نحو تدبير رشيد وملحاح للسياسات العمومية، الإجراءات الآتية:
5. إلغاء فوري لمدة 6 أشهر لكافة الاعتمادات التي لم تصرف بعد بالنسبة لـ"المخططات القطاعية": خلال هذه المدة يمكنكم القيام بتقييم مستقل ومتزامن لكافة هذه الأوراش / المخططات. تقييم ينتظر منكم أن تكشفوا خلاصاته وتجعلوها موضع نقاش تشاركي تطبيقا للفصل 13 من الدستور. يفترض فيكم أن تولوا اهتماما خاصا لمشروع القطار فائق السرعة (تي جي في) باعتباره رمز هذه الأوراش الكبرى، والذي ما تزال جدواه الاقتصادية لغزا محيرا لأكثر المحللين نباهة. مع العلم أنكم عبرتم عن موقف معارض له لما كنتم في المعارضة.
6. إنجاز افتحاص مالي واقتصادي معمق للشركات العمومية الرئيسية والوكالات واللجان والمجالس وكافة المؤسسات العمومية ذات الاستقلالية في التسيير: ننتظر منكم أن تسهروا على نشر خلاصات هذه الافتحاصات على موقع
www.chafafiya.gov.ma وأن تتخذوا الإجراءات الضرورية على ضوء هذه الخلاصات، بما في ذلك حل الوكالات والمؤسسات التي يتبين أن كلفتها المالية لا تناسب مردودها الاقتصادي. إعادة هيكلة هذه المؤسسات الدولة، وإعادة تركيز مقدراتها سيكون مفيدا لكم في ظل الأزمة الحالية.
7. تعميم فوري لمحاضر مداولات وقرارات لجان الاستثمار وكافة الهيآت المتوفرة على دعم مالي عمومي بدء بصندوق الحسن الثاني: تسليط الأضواء ونشر المداولات إجراءان سيكون لهما أثر إيجابي على ترشيد عمل الأعمدة الاقتصادية للدولة، كما سيفرضان خضوع القرارات التي تتخذ على صعيد هذه المؤسسات، لما يكفي من الحجج والبراهين المقنعة. من غير المقبول، مثلا، أن يستمر عمل صندوق الحسن الثاني في ضبابية تامة علما أنه يستفيد من مداخيل الخوصصة (أي ثروة المواطنين)، دون أن يتمكن الرأي العام من الإطلاع على تقريره السنوي المالي والأدبي. في نفس السياق، يمكنكم أن تفرضوا من خلال القانون، ملاءمة كافة المقاولات والمؤسسات العمومية مع المبادئ الأولية للشفافية والحكامة الجيدة (نشر التقارير المالية على الأقل مرة كل ثلاثة أشهر، إعلان أجور وتعويضات المدراء وكبار الموظفين...).

د. العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة

بديهي أنكم لا تملكون خيارات كثيرة على هذا المستوى، نظرا لشساعة هذا الورش. الإجرءات الثلاثة التي نقترحها عليكم تتميز بكونها ذات أهمية بالغة على المستوى الرمزي:
8. إحداث ضريبة على الثروة وضريبة على الإرث بمقتضى قانون مالية ابتداء من سنة 2012: لن نبذل جهدا كبيرا لإقناعكم بهذا الخصوص، فأنتم تعلمون جيدا أن أي دولة تنهج سياسة اجتماعية عادلة تفرض هاتين الضريبتين. نلفت انتباهكم لأن تبادروا إلى فرض ضرائب على الأملاك العقارية غير المنتجة (خاصة الأراضي غير المبنية والمساكن الثانوية)، فضلا عن ضريبة على الأرباح الناتجة عن رأس المال. موازاة مع ذلك، سيكون بإمكانكم توسيع إمكانيات ضمان التوزيع العادل للثروة، من خلال إحداث ضريبة على الإرث، بغاية تفادي التراكم المبالغ فيه للثروات على مدى أجيال من خلال الإرث (هذا هدف مشروع تماما. حتى الولايات المتحدة الأمريكية، معقل الليبرالية والرأسمالية، تفرض ضريبة على الإرث بهدف ضمان عدالة اجتماعية، بنسبة يمكن أن تبلغ 45 بالمائة عندما تكون قيمة الميراث مرتفعة).
9. إصلاح صندوق المقاصة: لستم في حاجة لأن نذكركم بالتفاصيل، فمسارات الإصلاح واضحة في هذا المجال وسبق أن تطرق لها النقاش العمومي بالتفصيل في أكثر من مناسبة. اعتبارا لاستعجالية هذا الإصلاح يمكنكم في مرحلة أولى إحداث ضرائب تساعدكم في تصحيح الوضع، على أساس أن تصلوا عند نهاية ولايتكم إلى إحداث نظام فعال لاستهداف الفئات المعوزة التي يجب أن تحظى بالدعم المباشر.
10. تفكيك النظام الفاسد للسكن الاقتصادي (وخاصة ما يتعلق منه بدعم المنعشين العقاريين): يطمح برنامجكم الحكومي لتسريع ولوج المواطنين إلى السكن الاقتصادي، ونحن ندعمكم في هذا المسعى. لكننا لا نعتقد أنكم ستتمكنون من تحقيق هذا الهدف بالاستمرار في تسمين أرصدة بعض المنعشين العقاريين من خلال الحفاظ على الإعفاءات الضريبية التي يستفيدون منها والأثمنة التفضيلية التي يفوت لهم بها العقار (لا شك أن الرؤية ستتضح لكم أكثر جليا إذا أنجزتم تقييما لحصلية أحد هؤلاء المنعشين العقاريين). نعتقد أن عليكم إلغاء كافة الإعفاءات الضريبية التي يستفيد منها المنعشون العقاريون في مجال السكن الاقتصادي. كما نقترح اعتماد النظام الذي أثبت نجاعته في كافة بلدان العالم: إحداث وكالة عمومية تشرف على تدبير بيع وحدات السكن الاقتصادي بكل شفافية (يمكنكم الاعتماد كثيرا على الأنترنت في هذا المجال). بهذه الوسيلة سيكون بإمكانكم تقديم طلبات عروض لبناء وحدات للسكن الاقتصادي لمنعشين عقاريين جديين بكل شفافية (مع هوامش ربح معقولة). لا تترددوا في الاستفادة من التجارب الأجنبية في هذا المجال: حزب العدالة والتنمية التركي، مثلا، يملك تجربة رائدة على هذا المستوى. باعتمادكم هذا النهج ستملكون حظوظا وافرة لرفع وتيرة الإنجاز وخفض كلفة امتلاك سكن اقتصادي إلى 150 ألف درهم فقط لكل وحدة.
ه. دولة القانون، حقوق الإنسان، والحريات الفردية.
أخيرا، أنتم مطالبون بإعلان قطيعة تامة ونهائية مع دولة اللا قانون في المغرب: تعلمون أن العديد من قوانينا جائرة، ولا تطبق، أو أن العصر تجاوزها تماما، خاصة تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان والحريات الفردية. واضح أن استمرار هذه القوانين، التي لا يحترمها الكثيرون ما دامت غير مطابقة للمجتمع المعاصر، يقلل كثيرا من أهمية احترام القانون بشكل عام: إذا كان الجميع يعتبر أنه من الطبيعي عدم احترام قوانين معينة، سيكون بديهيا أن لا يحترم المجتمع قوانين أخرى أكثر أهمية. لذلك نقترح عليكم الإجراء الرمزي الأخير:
11. التصويت على تشريع تلغى بموجبه كافة القوانين التي تحد الحريات الفردية والجماعية: نقترح عليكم أن تعطوا الأولوية في هذا الصدد لكل المقتضيات القانونية التي تنظم العلاقات بين المرأة والرجل، الكحول، حرية التنظيم والتعبير، وذلك في اتجاه التطبيق الفعلي لبعضها ومراجعة تلك التي تمس الحريات منها. لجنة التشريع في البرلمان يمكن أن تضطلع، سنويا، بمهمة تقييم مدى تطبيق هذه القوانين. نعول عليكم، كذلك، لتطلبوا إعادة النظر في المحاكمات الظالمة التي تعرض لها أعضاء في حركة شباب 20 فبراير، الذين بعثوا أمل التغيير في بلادنا، نفس الشيء بالنسبة للأحكام الصادرة في حق صحافيين. زيادة على ذلك، سيكون إصلاح القانون المتعلق باستهلاك الكحول، والذي لا يطبق ويكرس النفاق، إجراء رمزيا يمكنكم أن تجنوا من ورائه مكاسب سياسية معتبرة.

ليست هناك تعليقات: