الجمعة، 24 يناير 2003

"لحظة ظلام" أقلقت الحداثيين من "الخطر الأصولي

"لحظة ظلام" أقلقت الحداثيين من "الخطر الأصولي"


خلق فيلم "لحظة ظلام" جدلا إعلاميا بلغ حد الضجة بين رأيين متباعدين صاحبه تصريحات نارية من كلا الطرفين، واحد يمكن وصفه بالمدافع عن "الإنفتاح الحداثي"، وأبان عن طبيعة روحه وميوله وانتماءاته، وحتى إستعداد بعض الذين تحدثوا باسمه، لمحاربة كل من سولت له نفسه التصدي لـ "الحداثة". ورد الطرف الآخر باتهام نقيضه بأنه يريد إلباس القضية لبوس الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وبالأخص أن بعض المؤيدين لعدم حذف لقطات الإثارة الجنسية من "لحظة ظلام"، قد أعلنوا الحرب مباشرة على من أسموهم بـ "المتطرفين"، بل ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك حينما قال " إذا كان المسؤولون في بلادنا عاجزين عن حماية المجتمع المغربي، وغير قادرين على فرض احترام المؤسسات والقوانين، فما عليهم إلا الانسحاب وفسح المجال لأشخاص آخرين صمموا العزم على مواجهة هذا الخطر...". كل ذلك من أجل سؤال شفوي، أو لنقل اعتراض حتى من طرف نواب أصوليين على لقطات وردت في الفيلم المذكور، إعتبروها مخلة بالآداب والأخلاق وتتعارض مع مبادئ الدولة التي ينص دستورها على الإسلام دينا للدولة والناس.

وللملاحظ أن يقول أن كل المشاكل التي يتخبط فيها الشعب المغربي قد انتهت، لم يبق إلا الترف الفكري والجدل الكتابي حول أمر لا يقبل به أغلبية الناس أن يكون على أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم إلا الذين لا يرون في ذلك غضاضة على أنفسهم، فينطبق عليه المثل الشعبي : ّإيمارة الدار على باب الدارّ"..
لقد رفض نبيل عيوش مخرج الفيلم أن يتم حذف لقطات من فيلمه، عكس رأي لجنة المراقبة التي رأت بأن بعض اللقطات مخلة بالأخلاق ولا تتماشى وروح مبادئ وأخلاق الشعب المغربي المسلم. بل والأكيد هو أن فيلم "لحظة ظلام" الذي وصفه الناقد السينمائي المصري أشرف البيومي بـ - فيلم رديء يتاجر بالحرية -، قد تعرض لانتقادات من طرف العديد من النقاد إبان عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي سيما عندما وضع نبيل عيوش مجموعة شروط لعرض فيلمه كان من أهمها عدم المساس باللقطات الجريئة للفيلم، وهو الأمر نفسه الذي أكد عليه خلال المهرجان السينمائي في مراكش مما أدى إلى منعه.
وقد شنت مجموعة من الأطراف، إعلامية وسينمائية مغربية حربا ضروسا على منع اللقطات اللاأخلاقية من الفيلم بعدما أكد وزير الاتصال في جوابه على سؤال الفريق النيابي للعدالة والتنمية في البرلمان بـ "حرص الحكومة على التصدي لكل ما يخل بالحشمة والآداب ويخدش الحياء العام بما يتنافى وقيم مجتمعنا المترسخة في التاريخ".. ومن خلال هذا التصريح يتأكد أن لجنة دعم الأفلام لن تتردد في حذف اللقطات المخلة رالآداب والأخلاق سيما من الأفلام المغربية.
لقد وصل دعم الفيلم المذكور إلى 260 مليون سنتيم يعتبرها الكثيرون أنها من أموال الشعب الذي يريد أعمالا فنية جادة تعالج قضايا اجتماعية في احترام تام للمبادئ الأخلاقية، في الوقت الذي تظل حرية المبدع السينمائي مضمونة مادامت في حدود المعقول، لكنها ليست مقدسة أو فوق العادات والسلوكات المحترمة للقيم الإجتماعية.
وبحكم أن هناك مجالا أوسع للحرية في ظل الإنفتاح والعولمة، فهذا لا يعني البتة الخروج عن اللياقة الأدبية والحشمة والوقار. وإذا كانت الحرية أيضا مضمونة بحكم قوانين حقوق الإنسان والحق في التعبير، فإن الرقابة على قيم المجتمع ضرورية ويجب أن تكون ابتداء من المبدع نفسه إذا كان يعتبر نفسه واحدا من أبناء مجتمعه.
الرقابة إذن لا تعني العودة بالمجتمع إلى العهود البائدة كما قال أحدهم، وليست أداة لضرب الديمقراطية والإنفتاح ولا الحرية ولا الحداثة حتى، وإنما هي أداة تحفظ المجتمع من المنزلقات التي يمكن أن يقع فيها من هم ديمقراطيون ومتحررون وحداثيون.
من المهاجمين أيضا من دعا الدولة بصريح العبارة إلى ضرورة أن تكون متشددة مع من "يريدون زعزعة استقرارنا بتشديد القوانين المحاربة للإرهاب" مضيفا بأنه على الأجهزة الأمنية أن ترفع من مستوى يقظتها واحتياطها قبل فوات الأوان، وطالب الديمقراطيين وأنصار الحداثة، لأن يتحركوا بكثافة لوقف ما أسماه بـ "الخطر الأصولي".
لقد بدأ هذا النداء وكأنه يريد إبعاد الفتنة عن الناس، فيما هي دعوة أكبر من الفتنة، وقانا الله منها ومن موقظيها مفضلين أن نذكر بما قاله أحمد شوقي على أن نلعن من يوقظها، لأننا في غنى عن متاهات طارئة وغير حقيقية للرهانات والتحديات المختلفة التي تحتاج التسلح بالمبادئ والأصالة والأخلاق التي قال عنها الشاعر :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا



حسن اليوسفي
24 يناير 2003

الأحد، 5 يناير 2003

معطيات اجتماعية تهم سوق الشغل في منطقة الدار البيضاء

معطيات اجتماعية تهم سوق الشغل في منطقة الدار البيضاء

تعيش ولاية الدار البيضاء الكبرى منذ مدة على إيقاع العديد من الشريحات ومن إغلاق مجموعة من المؤسسات، الأمر الذي أدى إلى خلق أزمة اجتماعية تلقي بظلالها على فئات أصبحت محرومة من قوت يومها. ولذلك فقد صار التشغيل أولوية اجتماعية بالنظر إلى النسب المرتفعة للبطالة التي بلغت في المدينة حدود 13 % خلال الربع الأخير من سنة 2001 حسب بعض التقديرات من داخل الولاية، بحيث ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 25.3 % بالنسبة للشباب من حاملي الشهادات خلال الفترة نفسها، وهو الذي ينعكس سلبا على الأسر.
ولأن التشغيل أولوية اقتصادية، بات من الضروري التفكير في إعادة تأهيل النسيج الاقتصادي في إطار العولمة من توفير الموارد البشرية المؤهلة والمتوفرة على مؤهلات مهنية وعلمية يجب تشغيلها وبالتالي الاستفادة منها.
وحسب تقرير صادر عن اللجنة الجهوية للسكان في مدينة الدار البيضاء في ماي 2002، يمكن ملامسة معوقات الشغل من خلال حالات الإغلاق والتقليص من عدد الأجراء والتخفيض من ساعات العمل.
فقد توقفت سنة 2001، 84 وحدة إنتاجية وخدماتية عن العمل، بحيث تسبب هذا الإغلاق في فقدان 7333 منصب شغل قار.
وفي الاتجاه نفسه، اقدمت 13 مؤسسة خلال سنة 2000 تنتمي إلى قطاع الأشغال العمومية والبناء وصناعة الحديد على التقليص من عدد أجرائها، وقد شمل هذا الطرد 250 عاملا.
وفي سنة 2001 لجأت 204 مؤسسة ذات نشاط تجاري أو صناعي إلى التخفيض من ساعات العمل، وذلك كإجراء وقائي للتقليص من التحملات الاجتماعية حفاظا على استمرارية نشاطها. وقد طال هذا الإجراء 6307 عاملا مقابل 88 مؤسسة في سنة 2000 التي لجأت إلى التدابير نفسها وشملت 4107 أجيرا.


04/01/2003

السبت، 4 يناير 2003

قرارات جديدة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي


قرارات جديدة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي
تخفيض تكلفة العلاج لفائدة الأجراء بنسبة 50 في المائة
وإمكانية التمتيع بالتقاعد المبكر في سن 55 سنة

قرر المجلس الإداري لص.و.ض.ج المنعقد يوم الإثنين المنصرم في الرباط تحويل مبلغ 25 مليار سنتيم المخصصة للمصحات إلى منفعة مباشرة للعمال، وذلك بإقرار تخفيض تكلقة العلاح لفائدة العمال المقيدين بالصندوق بنسبة 50 %، كما تم الاتفاق على تمكين المقاولة من إبرام اتفاقيات خاصة مع أجرائها تمكنهم من الحصول على التقاعد المبكر، وذلك في حدود بلوغ سن الـ 55 سنة، ولكل مؤسسة في هذا الاتفاق أن تراعي خصوصيتها بحيث تبقى العلاقة في الاتفاق مباشرة مع العامل الأجير.
ويذكر أنه تمت المصادقة على التعديلات الجديدة بقانون الضمان الاجتماعي والتي سيتم عرضها أمام البرلمان من أجل التصويت عليها. كما يجب التذكير بأن إجراء تخفيض تكلفة العلاج تخص أساسا نحو مليون مسجل في الصندوق ممن لا يتوفرون على التغطية الصحية، إضافة إلى ذوي الحقوق من عائلات وأرامل وأصحاب المعاشات. كما أن هذا القرار وعلى ما يبدو، يأتي في أفق دخول قانون التغطية الإجبارية إلى حين حيز التنفيذ.
وللتذكير فإن عدد المسجلين في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي يصل إلى مليون و 400 ألف منخرطا، ما يعني أن هناك جهودا يجب أن يبذلها الصندوق تكون في صالح الأجراء سيما إذا علمنا أن معظم العمال غير مقيدين وبأن العديد من المؤسسات تتلاعب في التصريح بالأجور.

04/01/2003

واقع التعليم العالي والجامعات العربية


واقع التعليم العالي والجامعات العربية
تقوقع بين التخلف والتعليم السلطوي الذي يقتل الإبداع
مجموع ما نتفقه البلاد العربية على البحث العلمي
يقل عن 0.5 % من الناتج القومي

ندرج في هذا الخاص عن التعليم العالي، بعض الفقرات التي وردت ضمن بحث للدكتور على القاسمي المنشورة في السلسلة الأخيرة "المعرفة للجميع" تحت عنوان الجامعة والتنمية، وهي تعبر عن واقع التعليم العالي والجامعات في الأقطار العربية بصفة عامة.


متطلبات التنمية البشرية والمستدامة
لكي يتحقق هذا النوع من التنمية لابد من توفر المناخ السياسي والاجتماعي والثقافي الملائم، مناخ سياسي يقوم على مبدأ الحرية والمساواة، تحترم فيه حقوق الإنسان وتصان كرامته، ومناخ اجتماعي يسود فيه التعاون والتكامل بين مكونات المجتمع أفرادا ومؤسسات، ويعم فيه الأمن والطمأنينة، ما يتيح للإنسان تحقيق ذاته، وتحرير إمكاناته المبدعة، وإطلاق قدراته الخلاقة، ومناخ ثقافي تندثر فيه الأمية، وتشيع فيه المعرفة العلمية والتقنية، وتسود فيه قيمة العمل فيشارك الرجال والنساء معا في الإنتاج.


الوضع في الأقطار العربية
إذا نظرنا إلى الوضع في الأقطار العربية وجدنا أن التنمية –حتى بمفهومها الاقتصادي المحدود – بطيئة إذا ما قورنت بما هو عليه الحال في أقطار العالم الأخرى. فإحصاءات البنك العالمي تشير إلى أن معدل نمو دخل الفرد في الأقطار العربية خلال العقدين الأخيرين لم يتجاوز 0.5 % بالمقارنة مع الأقطار النامية حيث بلغ فيها 3.3 % وحتى في الأقطار الأقل نموا، كان معدل النمو 0.9 % في الفترة نفسها. وتشير هذه الإحصاءات كذلك إلى أن مؤشر الإنتاجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الفترة من 1960 إلى 1990 قد انخفض بنسبة 0.2 %. فقد كان معدل الدخل الوطني الخام للعامل الواحد في البلاد العربية عام 1960 أعلى منه في هونغ كونغ وكوريا وتايوان. ومن ناحية أخرى، تشير تقديرات اليونسكو إلى أن عدد الأميين في الدول العربية بلغ عام 1999 حوالي 68 مليون شخص، أي ما يمثل 40 % من مجموع السكان الذي تتجاوز أعمارهم 15 عاما، وأكثر من نصف الأميين من الإناث.
وبعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا سنويا عن 173 دولة يرتبها من الأفضل (رقم 1) إلى الأسوأ (رقم 173) طبقا لمؤشرات التنمية البشرية الشاملة التي تعتمد معايير متوسط العمر، وانتشار المعرفة، ومستوى المعيشة، كما ذكرنا. ويشير التقرير إلى أن نسبة الحرمان في البلاد العربية تبلغ حوالي 32 في المائة مقاسة بمؤشر الفقر الإنساني، وأن مواطنا من كل خمسة مواطنين يقف على عتبة الفقر أي يعيش على أقل من دولارين في اليوم.
وتحتل الدول العربية رتبا متأخرة جدا في تقارير البرنامج. ففي تقريره لعام 2001، احتل المغرب مثلا، الرتبة 123 بعد أن كان يحتل الرتبة 112 عام 2000. واحتلت مصر الرتبة 115، وسوريا 108، والجزائر100، والأردن99، وتونس 97، وسلطنة عمان 78، ولبنان 75، والسعودية 71، وليبيا 64، وقطر 51، والإمارات العربية المتحدة 46، والكويت 45، والبحرين 43 (وهي أفضل الدول العربية في مضمار التنمية البشرية طبقا لهذا التقرير). ولاشك أن سياسات المؤسسات التمويلية والاقتصادية العالمية مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، التي تهيمن عليها الدول الكبرى، لا تراعي مصالح الأقطار الفقيرة بقدر ما تسعى إلى تحقيق الأرباح لتلك الدول الكبرى.


الجامعة مسؤولة عن التنمية
وقد يتساءل المرء قائلا: كيف يتسنى للجامعة أن تسهم في تحقيق التنمية البشرية الشاملة التي نتمناها ؟ ألسنا نطلب المستحيل منها ؟
من المتفق عليه أن التنمية الشاملة تتطلب تضافر جهود القطاع العام والقطاع الخاص والتعليم. ولكن المسؤولية الأساسية تقع أولا وبالذات على الجامعات، لأنها هي الأداة الأهم والأكثر فاعلية في العملية التنموية، فعليها يقع عبء تطوير أجهزة الدولة والقطاع الخاص والتعليم بشكل عام. وتوجيه نشاط هذه الأجهزة الوجهة الصحيحة التي تخدم أهداف التنمية البشرية الشاملة.
وتستعين الجامعة على بلوغ غاياتها بثلاثة أنواع من الأنشطة يكمل بعضها بعضا:
إعداد قيادات المجتمع، وإجراء البحوث العلمية، وخدمة محيطها الاجتماعي والاقتصادي. فالتعليم الجامعي يسعى إلى تخريج قيادات قادرة قادرة على إيجاد المناخ السياسي والاجتماعي والثقافي المطلوب لإنجاز العملية التنموية. ولذا لا يقتصر التعليم الجامعي على الإعداد الأساسي الذي يتلقاه الطلاب الجامعيون فقط، وإنما تتعهد الجامعة كذلك بتزويد قيادات الدولة والقطاع الخاص بالتدريب التكميلي والتدريب المستمر اللذين تفرضهما التحولات العالمية المتلاحقة والتطورات العلمية والتقنية المستمرة. فإضافة إلى المقررات الدراسية التي تدرسها الجامعة لطلابها، تضطلع بتنظيم دورات تدريبية قصيرة لقيادات القطاعات المختلفة في البلاد لتزيد من كفاءاتها، وترفع من قدراتها، وتجعلها أكثر فاعلية في الإسهام في العملية التنموية.
والجامعة هي المؤسسة المؤهلة لتزويد القيادات الوطنية في مختلف القطاعات بآخر التطورات في حقول المعرفة وتدريبها على أحداث التقنيات، بفضل توفرها على هيئة أكاديمية على صلة دائمة بمصادر المعرفة العالمية، وبفضل ما تجريه من بحوث علمية تستفيد من نتائجها وتطبيقاتها جميع المؤسسات الوطنية، وتضطلع مراكز البحوث العلمية الجامعية بإجراء نوعين من البحوث : بحوث أساسية نظرية تساعدنا على فهم ذواتنا، وطبيعة العلاقات بيننا، وإدراك سنن الطبيعة التي نعيش في كنفها، فتنمو المعرفة الإنسانية عموما، وبحوث تطبيقية تهدف إلى استثمار المعرفة العلمية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات لزيادة المردودية الاقتصادية خصوصا.
ولكي يكون للتعليم العالي والبحث العلمي فائدة عملية في المجتمع يتوجب على الجامعة أن تنفتح على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، بمعنى أن الجامعة تنشئ شراكة حقيقية مع مؤسسات القطاعين العام والخاص، بحيث تشترك هذه المؤسسات مع الجامعة في صياغة الأهداف المرحلية للمقررات الدراسية، وفي تحديد نوعية البحوث العلمية المطلوبة واستغلال نتائجها استغلالا عمليا، وفي تنظيم الدورات التدريبية القصيرة وتأطيرها. وبطبيعة الحال تستخدم تلك المؤسسات خرجي الجامعات وتستفيد من أساتذتها بصفة مستشارين. ولكي تتوثق الشراكة وتتسع قاعدتها فإن الجامعات تكثر من عقد المؤتمرات والندوات والموائد المستديرة التي تساهم فيها قيادات الدولة والقطاع الخاص لبلورة الأهداف ووضع الخطط وإجراء التقييم والتقويم لمختلف الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وعندما يتأكد للقطاع الخاص أنه يستفيد من الجامعة في زيادة مردوديته الاقتصادية وأرباحه، فإنه يتحمس لدعم الجامعة ماديا وتمويل أبحاثها ومؤتمراتها ومشروعاتها الأخرى.


تخلف الجامعات العربية
وبإلقاء نظرة على أوضاع الجامعات العربية نجد أنها تبتعد كثيرا عن الصورة التي نقلناها عن جامعات البلاد المتقدمة ووظائفها، وأن التعليم العالي عموما يعاني مشكلات عويصة متعددة تعيقه عن أداء مهمته الأساسية المتمثلة في تنمية البلاد وترقيتها. وأهم هذه المشكلات ما يأتي:



1- محدودية التعليم العالي
إن التعليم العالي في الوطن العربي لا يزال تعليما للخاصة ولم يصبح بعد تعليما للعامة. فمعدلات الالتحاق بالتعليم العالي في الدول العربية منخفضة جدا إذا ما قورنت بمثيلاتها في الدول الأكثر نموا. فمعدل الالتحاق بالتعليم العالي عندنا عام 1997 لم يتجاوز نسبة 14.9 % في حين بلغ عندهم 61.1 %



2- تدني نوعية التعليم العالي
ومن أسباب تدني نوعية التعليم في بلادنا عدم التوسع في فتح الجامعات لاستيعاب أفواج الطلاب المتنامية ما يؤدي إلى اكتظاظ الأقسام والصفوف بسبب ضغط الطلب على التعليم العالي، الناتج عن تزايد أعداد السكان. فمعدل النمو السكاني في الدول العربية يتراوح بين 2.5 % و 3.5 % بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي لا يتجاوز 1.5 % وهذا يعني أن عدد سكان الأمة العربية يتضاعف ثلاث مرات كل عشرين سنة، وأن 60 % من السكان تقل أعمارهم عن 25 % ولكثير منهم الرغبة في ولوج التعليم العالي.
أضف إلى ذلك أن معظم أساتذتنا الجامعيين لا يتوفرون على تأهيل في طرائق التدريس. ولم نسمع أن كلية من كليات التربية في طول البلاد العربية وعرضها أقامت دورة تدريبية على هذه الطرائق واستخدام التقنيات التربوية لفائدة أعضاء الهيئة التدريسية الجامعية.
ومن ناحية أخرى، لا توجد هناك علاقة رعاية أكاديمية بين الأستاذ والطالب، ولا يطلب منه تخصيص ساعات أسبوعية محددة يستقبل فيها الطلاب الذين يحتاجون مشورته أو مساعدته في فهم ما استعصى عليهم أو مناقشة أفكارهم وبلورتها.
أما طريقة التدريس المتبعة فهي على الأغلب إملاء محاضرات يحفظها الطلاب ويعيدون كتابتها على ورقة الامتحان آخر العام الدراسي. ولا تتوفر جامعاتنا، حتى الحكومية منها، على الموارد المالية والبشرية اللازمة، وتعوزها التجهيزات والمختبرات الضرورية، ويدلنا مؤشر كلفة الطالب السنوي على العوز المادي الذي تعانيه جامعاتنا، فمعدل الإنفاق السنوي على الطالب الواحد في البلاد العربية هو 340 دولار أما في الغرب فهو 6500 دولار.
في عام 1997 كانت هناك 175 جامعة في الوطن العربي، تأسست 108 جامعات منها في فترة الخمسة عشر عاما الممتدة من 1981 إلى 1996، والأغلبية الساحقة من هذه الجامعات الجديدة تفتقر إلى التجهيزات الضرورية، "وتكاد لا تستحق أن تسمى بالجامعات. وكثير منها أنشئ لأسباب سياسية ومعظم الجامعات الخاصة منها أنشئ لغاية الربح فقط"، كما ورد في تقرير اليونسكو.


3- ثقافة التعليم السلطوية
إن التعليم العالي عندنا امتداد كيفي للتعليم الابتدائي والثانوي في ثقافته وهياكله ومناهجه وأساليبه. فثقافة التعليم عندنا تقوم على سلطوية المعلم أو الأستاذ الذي يلقي ويلقن، وسلبية التلميذ الذي يتلقى ويدون. وهذه ثقافة لا تشجع الطالب على التساؤل والتفكير، ولا تمكنه من الإبداع والابتكار والاختراع.


4- تقوقع التعليم العالي
ليست الجامعات عندنا منفتحة على محيطها الاجتماعي والاقتصادي بل منغلقة حتى على نفسها، فكل قسم من أقسامها يواصل استخدام برامجه التقليدية دون الانفتاح على بقية الأقسام العلمية وتبادل المعرفة معها. وقد أمست الهوة سحيقة بين مضامين التعليم العالي وبين متطلبات سوق العمل، فمناهجه لا تواكب التطورات السريعة في ميدان العلوم والتقنيات ولا المتغيرات المتلاحقة في تقانة المعلومات والاتصال. وعملية تغيير المناهج في الجامعات أبطأ بكثير من التحولات المتلاحقة في سوق العمل. ولهذا فإن جامعاتنا متهمة بتخريج أفواج من العاطلين من أنصاف المتعلمين.


5- اختلال التوازن الموضوعي في التعليم العالي :
تتطلب التنمية الشاملة توفير عدد كاف من العلميين والتقنيين في البلاد لا تقل نسبتهم عن 2.5 % من السكان. ولكن الإحصائيات تدلنا على أن معظم البلاد العربية لا تتوفر إلا على نسبة 0.3 %، أي أن عدد العلماء والمهندسين في كل مليون نسمة لا يتجاوز ثلاثمائة فرد، في حين أن عددهم في المجتمعات الغربية يبلغ 3600 فرد في كل مليون نسمة.
وعندما نلقي نظرة فاحصة على أعداد الطلاب المسجلين في التخصصات المختلفة يتضح لنا السبب في عدم توفر العلميين والتقنيين في سوق العمل. فعلى الرغم من أن كليات العلوم والتقنيات تشكل أكثر من نصف الكليات في جامعتنا (51.5 %)، فإن عدد طلابها يقل عن ثلث مجموع الطلاب الملتحقين في الجامعات (31.9 %). وتؤكد هذه الإحصائيات إحصائية أخرى تشير إلى أن 52.3 % من حملة البكالوريوس سنة 1995/1996 في الوطن العربي هم من المتخصصين في الآداب والإنسانيات، في حين لا يوجد سوى 9.8 % من خريجي ذلك العام الدراسي من المتخصصين في الهندسة، و 9.6 % في العلوم، و7.4 % في العلوم الطبية، و3.0 % فقط في الزراعة.
ويمكن رد الأسباب في ذلك إلى سوء التخطيط، وزيادة الطلب على التعليم العالي، وعدم توفير الموارد المادية الكافية للتوسع في التخصصات العلمية والتقنية التي تتطلب تجهيزات ومختبرات عالية التكلفة، ما يضطر المسؤولين إلى التوسع في برامج الدراسات الإنسانية والاجتماعية، وهي برامج لا تستجيب لاحتياجات سوق العمل.


7- ضالة البحث العلمي في التعليم العالي :
يعد بعضهم البحث العلمي الوظيفة الأساسية للجامعة، ويدعو إلى عدم قيام الجامعات بتدريس معلومات معروفة مسبقا، وإنما يجب أن يقتصر التدريس فيها على المعارف الجديدة غير المتوفرة خارج أسوارها، خاصة تلك المعارف التي تكتشفها داخل مختبراتها هي. فالجامعة هي الوكر الذي يفرخ المعرفة. ولكن قصور الإنفاق على الجامعات العربية يضطرها إلى توجيه مواردها المالية المحدودة إلى تشغيل الإدارة، وصرف رواتب الأساتذة والموظفين، وتسيير المرافق والخدمات الضرورية، ولا يبقى إلى النزر اليسير للبحث العلمي والمكتبات.
إن مجموع ما تنفقه البلاد العربية على البحث العلمي يبقى هامشيا ويقل كثيرا في أحسن حالاته عن 0.5 % من الناتج القومي الإجمالي في حين يخصص بعض الدول المتقدمة أكثر من 6 % من ناتجها القومي الإجمالي لإجراء البحوث العلمية. أما الدراسات التي يعدها طلبة الدراسات العليا في جامعتنا ونسميها، تجاوزا، بحوثا، فهي في معظمها مجرد تمارين نظرية تبقى رهينة رفوف المكتبة ولا علاقة لها بما يجري في قطاعات الإنتاج من قريب أو بعيد.
إن مجموع ما أنفقته الأقطار العربية على البحث العلمي عام 1996 لم يتجاوز 782 مليون دولار أو 0.14 % من الناتج القومي الإجمالي. وتأتي الأقطار العربية في آخر قائمة الدول في الإنفاق على البحث العلمي، حتى بعد مجموعة الدول الإفريقية ما وراء الصحراء التي تعد مواردها فقيرة جدا إذا ما قورنت ب "غنىّ" الدول العربية.


8- انعدام تقييم نوعية التعليم العالي وجودته :
قد تخضع الجامعات في البلاد العربية لرقابة إدارية ومالية ولكنها لا تخضع حاليا لرقابة علمية. فليس هناك تقويم لبرامجها ومناهجها وأبحاثها وتجهيزاتها من قبل مؤسسة مستقلة، كما هو الحال في الغرب. فالجامعات هناك تتمتع باستقلالها الذاتي وحريتها الأكاديمية، ولكنها في الوقت ذاته تخضع لتقييم مستمر من قبل مؤسسات مستقلة متخصصة محلية ووطنية. وهذه المؤسسات تضطلع بتقييم الجامعات وتصنفها حسب مستواها العلمي في كل تخصص من تخصصاتها، وتنشر نتائج تقييمها بوسائل الإعلام المختلفة ليطلع عليها الطلاب ليتمكنوا من اختيار الجامعة المعترف بها التي تلائم تطلعاتهم.
لم يعد للطالب الحق في ولوج التعليم العالي فحسب، وإنما أصبح من حقه كذلك معرفة مستوى الجامعة التي يروم ولوجها.


9- تدريس العلوم بلغة أجنبية :
لا تستخدم مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي اللغة العربية في تدريس العلوم والتقنيات ولا في البحث العلمي، وإنما تستخدم بدلا منها لغة المستعمر القديم، الإنجليزية في دول المشرق العربي، والفرنسية في دول المغرب العربي.
وعلى الرغم من أن الدول العربية سعت بعد استقلالها إلى التخلص من التبعية الثقافية الاستعمارية عن طريق تعريب الإدارة والتجارة والتعليم فإنها توقفت عند تعريب العلوم الأساسية والتطبيقية في التعليم العالي وظلت هذه الموضوعات تدرس بلغة المستعمر القديم. وإذا كان هنالك في السابق بصيص أخذ يتلاشى في ظل العولمة الزاحفة، إذ تبنت الجامعات التي أنشئت في بلادنا مؤخرا استعمال الإنجليزية في جميع المواد حتى الإنسانيات والاجتماعيات.
وتدل جميع البحوث العلمية الرصينة على أن الطالب الذي يتلقى تعليم باللغة الأجنبية لا يستطيع أن يستوعب المعلومات بصورة جيدة، ويصعب عليه إدماجها في منظومته وبالتالي لا يتمكن من تمثلها والإبداع بها، إضافة إلى عدم قدرته على نقل معلوماته بسهولة على المستفيدين من معارفه وخدماته.



ما العمل ؟
إن توفير الظروف الملائمة لتحقيق التنمية البشرية الشاملة يتطلب العمل في جهتين رئيسيتين: الجبهة الاجتماعية الاقتصادية والجبهة التربوية التعليمية.
في الجبهة الأولى: ينبغي قبل كل شيء التزام الجميع باحترام حقوق الإنسان بوصفه حجر الأساس في بناء حكم عادل قادر على تحقيق التنمية البشرية الشاملة. ويقتضي احترام حقوق الإنسان عدم المساس بالحريات العامة، والمساواة بين المواطنين ذكورا وإناثا لإطلاق طاقاتهم الخلاقة المبدعة، وإتاحة الفرصة للمرأة العربية للمشاركة في البناء إلى جانب صديقها الرجل. ويتطلب ذلك كذلك توفير الرص المتساوية أمام المواطنين للمبادرات الفردية وتحرير القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه إصلاح القطاع العام وتخليصه من الفساد والبيروقراطية والرشوة والمحسوبية، ودعمه بنظام قضائي مستقل نزيه شفاف يتصف بالكفاءة وسرعة الأداء، لتحفيز الاستثمار الداخلي والخارجي. وتتطلب التنمية البشرية الشاملة تمتين التعاون الاقتصادي العربي بإيجاد سوق عربية مشتركة، لأن الأسواق العربية منفردة صغيرة لا توفر قاعدة لنمو اقتصادي حيوي متنوع ومستدام. وأخيرا ينبغي الاستفادة من محاسن العولمة وتوقي مخاطرها.
وفي الجبهة التربوية التعليمية، يجب علينا أن ندرك أن أية إستراتيجية ترمي إلى تحسين نوعية التعليم وجودته، لابد أن تأخذ في النظر جميع العناصر : ماذا نعلم ؟ وكيف نعلم ؟ وما مردودية ما نعلم ؟ وأية ثقافة تعليمة نعتمد ؟ وينبغي أن لا ننظر إلى التعليم العالي بوصفه قطاعا معزولا، وإنما بوصفه نظاما فرعيا في نظام أكبر هو المجتمع الذي نعيش فيه والعالم الذي يحيط بنا.
إن القطاعين العام والخاص مدعوان لدعم الجامعة ماديا ومعنويا وتوفير التمويل اللازم لبرامجها وللبحث العليم الذي تضطلع به، وتمكينها من استقلالها الإداري وحريتها الأكاديمية. وفي مقابل ذلك يتوجب على الجامعة أن تعيد النظر في أهدافها بحيث تضع خدمة المجتمع في مقدمة أهدافها، وتعيد النظر في إدارتها بحيث تختار قياداتها وفقا لمعايير مضبوطة وتغير من هيكلتها ومناهجها وأساليبها في ضوء التطورات العلمية والتقنية، وأن تسعى إلى شراكة حقيقية مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين خارج حرمها الجامعي لخدمتهم، والاستجابة إلى احتياجاتهم، وترقية مستواهم الثقافي والمهني وزيادة مردوديتهم الاقتصادية، عن طريق البحث العلمي والتدريب المستمر والترجمة والتأليف، وأن تعمل على نشر المعرفة العلمية والتقنية وإشاعتها بين شرائح الشعب المتنوعة باللغة الوطنية التي تفهمها الأغلبية الساحقة. وهكذا تستطيع الجامعة أن تقود عملية التنمية البشرية الشاملة في البلاد.



الجمعة، 3 يناير 2003

التعليم العالي في المغرب


التعليم العالي في المغرب
حديث عن الإصلاح ونتائج تكرس الإخفاق


تنصص ديباجة الإعلان العالمي للتعليم العالي للقرن الحادي والعشرين على أن الصعوبات والتحديات الكبرى التي سيواجهها التعليم العالي في القرن المقبل، تتمثل أساسا في توفير التمويل اللازم، وتحقيق عدالة الفرص التعليمية، وتطوير كفاءة الهيئة التدريسية وتنمية البحث العلمي، وتحقيق استجابة البرامج الدراسية لحاجات المجتمع الفعلية، وتمكين الخرجين من الحصول على عمل، وإقامة تعاون دولي فعال، واستثمار تقنيات الاتصال في إنتاج المعرفة وإدارتها ونشرها والوصول إليها والتحكم فيها.
والمغرب ليس بمعزل عن العالم، إذ أن التعليم بصفة عامة، صار قاب قوسين أو أدنى من التخلف ومن الانحطاط، وذلك بفعل تراكم مجموعة من العوامل التي أدت به إلى هذا المستوى ما صار يستدعي إصلاحا جذريا يأخذ بعين الاعتبار ذلك الارتباط العضوي بين جميع أسلاك التعليم (ابتدائي، ثانوي، جامعي)، وإصلاحا شموليا بدء من الإصلاح البيداغوجي، ومرورا بالاهتمام بالبحث العلمي، وصولا إلى إصلاح هياكل التعليم العالي.
ويتطلب هذا بالدرجة الأولى إرادة سياسية تضع أولوية أولوياتها، النهوض بالتعليم وتجاوز الحسابات السياسية الضيقة خدمة للصالح العام، وتحقيق استقلالية فعلية للجامعة من أجل خلق فضاء حر ومستقل للتفكير والإبداع، ثم العمل على إصلاح النظام البيداغوجي، وذلك بتوفير جميع الشروط الملائمة من أدوات وطرق بيداغوجية وتكوينية تساعد المتلقي مواكبة التطور، وبالتالي المساهمة في الدورة التنموية للبلاد.. الأمر الذي لن يتأتى إلى بتحديد الحاجيات والغايات من العملية التعليمية والتربوية أولا، ثم برسم أهداف واضحة وتحديد برامج ملائمة، دون إغفال لدور البحث العلمي وضرورة الاهتمام به لأنه هو قاطرة النمو، وهذا كله لن يتأتى إلا بالاستثمار في الجامعة وفي الموارد البشرية الجامعية أي كل مكونات الجامعة، وبالانفتاح على المحيط السوسيو اقتصادي للجامعة، أو ما اصطلح على تسميته بانفتاح الجامعة على محيطها التنموي.
ضمن هذا الخاص عن التعليم العالي في المغرب، نورد تغطية ليوم دراسي نظمه الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي في الدار البيضاء يوم السبت 28 دجنبر الماضي، حول موضوع "من أجل تعليم عال في مستوى طموحات الشعب المغربي"، وحوارا مع ذ. إدريس قصوري بوصفه مهتما بالمجال التعليمي، ومقالين لكل من الدكتور رمضاني حول موضوع إنقاذ الجامعة المغربية، أي أسلوب لأي واقع ؟ والباحث محمد باسك حول موضوع أي استقلال للجامعية في ظل القانون الجديد للتعليم العالي، إضافة إلى بعض المقتطفات من دراسة للدكتور على القاسمي وردت ضمن سلسلة "المعرفة للجميع" في عدد دجنبر 2002. هذا على أمل أن يكون لنا حوار مع السيد وزير التعليم لتوضيح وجهة النظر الرسمية من مسألة التعليم العالي والبحث العلمي في المغرب.


حسن اليوسفي
03 يناير 2003

الخميس، 2 يناير 2003

من أجل تعليم على في مستوى طموحات الشعب المغربي


من أجل تعليم على في مستوى طموحات الشعب المغربي

ضرورة التفكير الجماعي في هذا الواقع والمساهمة
في اقتراح بدائل موضوعية


نظم مكتب الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالدار البيضاء يوم السبت المنصرم، يوما دراسيا تحت شعار "من أجل تعليم عال في مستوى طموحات الشعب المغربي". هذا الموضوع تناوله بالدرس والتحليل عدد من الأساتذة اعتمادا على أرضية طرحت السمات الأساسية للوضع الدولي والوطني، مع ذكر انعكاسات هذه الوضعية على التعليم العالي. خلال هذا اللقاء تم طرح مجموعة من الأسئلة حاول المتدخلون من خلال إجاباتهم عليها ملامسة واقع الجامعة الحالي وآفاق التطور، وذلك من خلال العمل ضمن ثلاث ورشات، الأولى كانت حول النظام البيداغوجي والبحث العلمي، والثانية ناقشت الهياكل الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر، أما الثالثة فقد تطرقت إلى النظام الأساسي والملف المطلبي.
بعد التطرق للسمات العامة للوضع الدولي، والذي يتسم أساس بما أسماه المنظمون بالهجوم الكاسح للعولمة الليبرالية المتوحشة على المكتسبات الاجتماعية للشعوب وحقها في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، واتساع دائرة الفقر والحرمان والأمية والفوارق الطبقية...، أكدت الورقة التقديمة لليوم الدراسي المنعقد في المدرسية العليا للتكنولوجيا، على أن السمات الأساسية للوضع على الصعيد الوطني تتميز بانخراط الدولة في نظام العولمة الليبرالية، وذلك من خلال تطبيقها لمجموعة برامج منها برامج التقويم الهيكلي والانصياع التام للمؤسسات المالية الدولية، الأمر الذي أفقد الدولة سيادتها على مجموعة من المجالات الحيوية من خلال خوصصتها لقطاعات عمومية إستراتيجية، وسنها لمجموعة من القوانين التي تراها النقابة الوطنية للتعليم العالي تراجعية في مجال الحريات العامة والصحة والشغل والتعليم، هذا إضافة إلى ما أسمته الورقة التقديمية بشيوع اقتصاد هش مبني على الريع، وسوء التدبير وانتشار الفساد بكل تجلياته، إضافة إلى استمرار الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية.
أما انعكاسات هذه الوضعية على التعليم العالي فتتمثل أساسا في تردي أوضاع التعليم العالي على مستوى البنيات والتجهيزات وتدهور الأوضاع الاجتماعية للعاملين به، وذلك نتيجة تقليص الاستثمار في مجال التعليم العالي، مما أدى إلى بروز ظروف دراسية مزرية بالنسبة للطلبة مع ضعف المردودية الداخلية والخارجية حيث تبقى نسبة الهدر والانقطاع وبطالة الخريجين إحدى تجليات التردي والتدهور.
هذا، وقد أوضح المنظمون بأن الأهداف المتوخاة من اليوم الدراسي أمام هذه الوضعية، هو التفكير جماعيا في هذا الواقع والمسامة في اقتراح بدائل موضوعية تكون قابلة للإنجاز مثل تحديد دور التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر في التنمية ورصد السياسات المتعاقبة في هذا القطاع، إضافة إلى تشخيص واقع التعليم العالي سواء على مستوى البنيات أو المضامين والنتائج.
ومن بين الأهداف المتوخاة أيضا، الكشف عن خلفيات الإصلاح المطروح وتحديد كيفية التعامل معه، واقتراح بعض البدائل العملية فيما يتعلق بالقضايا البيداغوجية والبحث العلمي والهياكل في التعليم بصفة عامة، وكذلك في النظام الأساسي. هذا إلى جانب المساهمة في تطوير الملف المطلبي للأساتذة الباحثين.
أمام تقديم السمات الأساسية للوضع وانعكاساته على التعليم العالي، مع ذكر بعض أهداف اليوم الدراسي، تبقى الإجابة عن بعض الأسئلة المطروحة ضرورية بالنظر إلى المستوى المتدني الذي وصل إليه التعليم العالي في المغرب، وبالنظر أيضا إلى النتائج المحصل عليها والتي باتت تؤرق كل المهتمين بمجال التعليم والتكوين الذي أصبح ينتج متخرجين وأصحاب شواهد عليا، بل ودكاترة يبحثون عن شغل.
فيما يمكن الحديث عن إصلاح دون إعادة النظر في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمغرب ؟ وهل يمكن أن يكون إصلاح التعليم مدخلا لتغيير إيجابي داخل المجتمع ؟ وكيف سيتم ذلك ؟ ومن يتحمل مسؤولية بطالة الخريجين ؟ وما هي مخاطر تخلي الدولة عن الاستثمار في قطاع التعليم العالي ؟ وما هي حدود القطاع الخاص في هذا المجال ؟ هل الأوضاع الاجتماعية لأوسع فئات الشعب المغربي تسمح بالتراجع عن مجانية التعليم العالي ؟ وما هي المصادر الممكنة لتمويل هذا التعليم ؟ وما المقصود بانفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي ؟ وهل يمكن تناول قضايا التعليم العالي بمنطق المقاولة التجارية في جميع مقوماتها ؟ وأيضا كيف يمكن تقييم ميثاق التربية والتكوين والقانون الخاص بالإصلاح الجامعي (قانون 01.00) ؟ وهل يشكل النظام البيداغوجي المقترح مدخلا لتكوين أفضل ؟ وكيف يمكن ربط إصلاح التعليم العالي بباقي أسلاك التعليم الأخرى ؟ ولما لم يتم توحيد كل مؤسسات التعليم العالي في إطار جامعة موحدة ؟
يجب التساؤل أيضا عن سياسة الدولة في مجال البحث العلمي، بل وهل تتوفر الدولة أصلا على سياسة واضحة للتعليم العالي ؟ وما هو أفق اهتمامها بالبحث العلمي ؟
هذا دون إغفال الحديث عن دور الطلبة في هذا الإصلاح ولماذا تتم مواصلة تهميشهم ؟ وكيف يمكن رد الاعتبار للمشاركة الطلابية في تسيير شؤون التعليم العالي بعيدا عن سياسة الهاجس الأمني ؟
مجموعة أسئلة وأخرى وجب على كل الفاعلين في حقل التعليم العالي الإجابة عنها، وذلك في أفق رسم إستراتيجية واضحة على المدى القريب والمتوسط، للنهوض أولا بالمستوى التعليمي ببلادنا، ومن أجل الحد من النزيف المتمثل في عدد الخريجين الذين لا يجدون فرصا لولوج لعالم الشغل، وكذا النزيف المتمثل في هجرة الأطر التي باتت تهدد كل القطاعات الحيوية.

حسن اليوسفي
02 يناير 2003