الاثنين، 19 يوليو 2004

للتذكير فقط .. حينما كان الاصطياف الملتزم

خلال صيف 1998 كان مخيم أبو النعائم قد ضم حوالي 30 ألف مصطاف، وكانت التجربة فريدة من نوعها في العالمين العربي والإسلامي.. وفي العام الموالي انتقلت التجربة الفريدة من شاطئ أبو النعائم إلى شاطئ لغويرگات بالجديدة، ثم إلى مجموعة شواطئ مغربية أخرى شمالا وجنوبا، بحيث عاش المغرب آنئذ على إيقاع 6 مخيمات شاطئية ملتزمة تشرف عليها جماعة العدل والإحسان.. إلا أن السلطات رأت في ذلك "خطرا إسلاميا"، وقررت في صيف عام 2000 منع قيام هذه المخيمات.. الأمر الذي جعل "العدل والإحسان" تتخذ حينها قرار النزول إلى الشواطئ العادية مع باقي فئات الشعب، فكان صيف القمع والاعتقالات والمحاكمات شكل حدثا وطنيا ودوليا بامتياز..

شاطئ أبو النعائم المحاصر

منطقة تبعد بحوالي 60 كلم من البيضاء في تجاه أزمور على الطريق الساحلي، هي اليوم عبارة عن مخيم محروس وتحت رقابة أعين السلطة.بالأمس القريب، كانت منطقة أبو النعائم عبارة عن مصطاف بديل يمنح لكل مواطن السكينة والراحة النفسية والروحية، وكان الزائر للمخيم يجد نفسه أمام مجتمع إسلامي ينشد تحقيق معاني الإيمان والإحسان، وذلك بحفاظه على المبادئ التربوية الإسلامية، وباحترامه للشعائر الدينية جنبا إلى جنب مع مختلف الأنشطة التي تروم الترويح عن النفس ومنح الجسد ما يستحقه من الراحة والاستجمام..حين تجوالك على طول الشاطئ كانت تواجهك لافتات عليها آيات تذكرك بعظمة الخالق سبحانه وتعالى، وكانت تتراءى لك الأحاديث النبوية الشريفة التي تحيي فيك روح البذل والعطاء، وعلى طول الشاطئ كانت مكبرات صوت تصدح بنفحات أريج الطيب وسط برامج ثقافية وتربوية وترفيهية هادفة..لقد كانت مساحة شاطئ أبي النعائم تناهز الأربعة كيلومترات، وكانت بمثابة مدينة شاطئية نموذجية أظهرت مدى إمكانية تحقق الالتزام بالأخلاق الإسلامية حتى في الشاطئ.. حيث كان للتربية في المخيم دور أساسي كما للترفيه، فكان التكامل بين التربية والترفيه يتوج بمسابقات تثقيفية هادفة، وبإلقاء محاضرات تتحدث في جميع مناحي الحياة، الأمر الذي كان يعطي للمصطاف حينها نكهة خاصة للاصطياف.. التجربة التي عممت على 6 مخيمات أخرى في العام الموالي، تلك التي رأت فيها السلطة حينها أمرا خارجا عن المألوف، وجاءت التعليمات بمنع المخيمات الملتزمة!

للتذكير فقط.. "حرب الشواطئ

بعد منع السلطات جماعة العدل والإحسان من إقامة مخيماتها الشاطئية، تم التفكير في صيغة جديدة تمثلت في تنظيم خرجات يومية وأسبوعية إلى الشواطئ العمومية المتواجدة بكل المدن المغربية كان أهمها الدار البيضاء بشاطئيها عين السبع وعين الذئاب، مدينة الجديدة، والمهدية بالقنيطرة، وتطوان وأگادير.. بينما أصبحت منطقة أبو النعائم مطوقة بقوات الحرس المتنقل وقوات الدرك التي كانت حينها تراقب كل ذي لحية وكل ذات حجاب، وبالتالي منعهما من وصول منطقة طريق أزمور..! فتم الإعلان الرسمي من طرف الدولة عن "حرب الشواطئ" في مواجهة العدل والإحسان..مع بداية شهر يوليوز من العام 2000، وهو الشهر الذي كانت تنطلق فيه المخيمات الملتزمة، وبعد المنع المباشر للسلطات المغربية لهذه المخيمات، جاءت تذكرة المصطاف الموجهة من مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان إلى أعضاء الجماعة، حيث أكدت على ضرورة الالتزام بالغرض الذي من أجله يكون الذهاب إلى الشاطئ: "الترفيه عن النفس والرغبة في الاستجمام"، وأكدت المذكرة على ضرورة الحرص على راحة المصطافين واحترام قناعاتهم، وضرورة تجنب المنفر من الهيئة واللباس والمستفز من الكلام، والتزام اللين والرفق المعهودين في أعضاء جماعة العدل والإحسان، والدعوة بالحال قبل المقال، وبحسن الخلق ومراعاة الذوق واللباقة، وتجنب الشعارات والمسيرات داخل الشواطئ، وأن يتجنب العضو في العدل والإحسان الرد على ما قد يصدر من عناصر السلطة، والحرص على نظافة الشواطئ وأن يجعل كل عضو في الجماعة اصطيافه مناسبة للتواصل والتعارف وتقديم يد المساعدة إلى كل من يحتاجها رجالا ونساء وأطفالا، وأن يتذكر العضو قوله تعالى: "إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا"، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"..وبدأت العدل الإحسان في تنظيم خرجات لأعضائها إلى الشواطئ العادية الموجودة وسط المدن، إلا أن السلطات لم تتقبل الأمر وبدأت حينها التعزيزات الأمنية والتدخلات والاعتقالات والمحاكمات في بعض المدن، بينما بقيت سلطات الدار البيضاء تراقب شاطئ عين الذئاب وشاطئ النحلة نظرا لموقعهما الاستراتيجي بالنسبة للمدينة.. فكانت الأجواء عادية جدا بكلا الشاطئين، وكانت المراقبة حاضرة على جميع الأصعدة، سواء بواسطة سيارات الإسعاف التي كانت تجوب الشاطئ، أو بواسطة رجال الأمن بالزي العادي.مقابل ذلك، عرفت منطقة المهدية أحداثا مؤسفة جعلت الإعلام آنئذ يتحدث عن "حرب الشــواطــئ"، حيث بدأت عمليات القمع والاعتقالات، بل والمحاكمات بسبب ارتياد الشاطئ! فكان من الطرائف أن باشا مدينة القنيطرة حينها قام باستدعاء أعضاء جماعة العدل والإحسان بالمدينة وأبلغهم أمر الوالي القاضي بعدم السماح لهم رجالا ونساء وأطفالا بالنزول إلى المنتزهات والمصطافات العمومية، مع تحمل كامل المسؤولية فيما قد ينجم عن ذهابهم إلى الشواطئ!!

السلطات تمنع الصلاة في الشواطئ

من مميزات المخيمات التي كانت تقيمها جماعة العدل والإحسان هي إقامتها الصلاة في أوقاتها.. وبعد المنع الذي لحق تلك المخيمات، حافظت العدل والإحسان على نهجها التربوي الإيماني، وكانت الصلاة حاضرة حتى في الشواطئ العمومية التي كانت تنزل بها، الأمر الذي استفز السلطات وكان حدثا بالنسبة لجميع وسائل الإعلام في تلك الفترة..لقد نزلت التعزيزات الأمنية وبدأت المضايقات والمتابعات من أجل الصلاة في الشاطئ لأنها فـتـنـة!! ولعل تصريح الميداوي وزير الداخلية وقتها، كان واضحا عندما قال: "... والذي أراد أن يعبد الله فليذهب إلى منزله أو إلى المسجد أو يختلي بنفسه لعبادة الله (...)". فنزلت قوات التدخل السريع في مدينة الجديدة وفي تطوان مدججة بالعصي أمام كل المصطافين من أجل تنفيذ التعليمات..!

العدل والإحسان تفوت الفرصة على أصحاب الخيار الأمني

مع حلول صيف العام الموالي، وبينما كان الجميع ينتظر نزول العدل والإحسان إلى الشواطئ، قرر مجلس الإرشاد من خلال بيان له صدر في 30 يونيو 2001 "تفويت الفرصة على أنصار الخيار الأمني"، وأكد البيان قرار الجماعة بعدم النزول إلى الشواطئ العمومية: ".. إذا كانت الجماعة، في السنة الماضية، قد أربكت حسابات المتخبطين بمشاركتها المواطنين في الشواطئ العمومية، فها هي ذي هذه السنة تقرر إفشال ما يدبر ويخطط..".ودخلت الجماعة بعد ذلك في برنامج جديد يروم تربية وتكوين أعضائها داخل رباطات صيفية.

حداثة العهد الجديد..

بعد منع العدل والإحسان من الاصطياف الملتزم، وبعد الحملة التي لعب فيها أنصار الخيار الأمني دورهم الاستئصالي وبالتالي محاربتهم كل مظاهر الأخلاق والالتزام.. وبعد أحداث 16 مايو المؤلمة التي زادت من تنطع الاستئصاليين، أطلق العهد الجديد العنان لدعاة الحداثة والحداثيين، وبدعوى "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان"... أطلق العنان لمزيد من التفسخ الأخلاقي، وإلى مزيد من الانحلال وانتشار الميوعة في شواطئنا وشوارعنا وحياتنا اليومية.. وكثرت مهرجانات ظاهرها "الترفيه" وباطنها الفساد الذي استشرى في كل دواليب العهد الجديد.. وبدأت لوبيات الحداثة تصطاد في ثوابت المغاربة المتمسكين بعاداتهم وتقاليدهم المحافظة، وسمح بالتهجم على كل ما يمت للدين بصلة، بل وبدأت أصوات أقل ما يمكن وصفها أنها مريضة وشاذة، تتعرض للعلماء وتسفه خطبهم لا لشيء سوى أنهم قالوا قول حق.." ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ".

تاريخ النشر : 19/07/2004

اليوسفي حسن

الثلاثاء، 6 يوليو 2004

مدونة للشغل بعد 23 سنة من الانتظار

ما استفادةُ الطبقات المحرومة ؟

بعد أن تم الإعلان في بداية شهر مايو 2003 في أعقاب اختتام جولة أبريل من الحوار الاجتماعي،عن التوصل إلى توافق حول المقتضيات العالقة لمشروع مدونة الشغل بين الحكومة والفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، وبعد التوقيع على نتائج الجولة في نهاية شهر يناير 2004، يكون التطبيق الفعلي للمدونة والذي سيدخل حيز التنفيذ في التاسع من هذا الشهر، قد أخذ طريقه إلى الممارسة الفعلية في أجواء لا زالت تكتنفها الكثير من العقبات الميدانية، وفي ظل أوضاع اقتصادية غير مستقرة وفي تدن مستمر..

إن الحديث عن العلاقة التي تجمع الأجير بالمقاولة، خاصة كانت أم عامة، فإن الجهات الرسمية سبق أن أكدت بأن تحديث العلاقات المهنية داخل المقاولات، هي وفق ضوابط وقواعد قانونية، تصون حقوق الأطراف وتضمن مطابقة التشريع الوطني مع المبادئ المتعارف عليها دوليا، وعلى وجه الخصوص المجالات المتعلقة بالحرية النقابية وحماية ممثلي الأجراء وحماية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية..ستدخل إذن مدونة الشغل الجديدة حيز التطبيق بداية من الأسبوع الثاني من هذا الشهر، وذلك بعد مرور ستة أشهر على نشرها بالجريدة الرسمية يوم 08 دجنبر 2003 (الجريدة الرسمية عدد 5167) طبقا لما أقرته المادة 589 من نص المدونة. علما أن هذه المدونة التي من المنتظر أن تنصف الأجير البسيط وتمنحه على الأقل حقوقه، تعثر إخراجها إلى حيز الوجود على مدى حوالي 23 سنة.. أي منذ 1981 ..؟!

فقد سبق للحوار الاجتماعي أن خرج بتوافق حول مجموعة "مكاسب" ظلت محط نزاع بين السلطات الحكومية وباقي الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، بحيث اعتبرت الجهات الرسمية أن تخفيض مدة العمل من 48 إلى 44 ساعة في الأسبوع، وإقرار مبدأ المرونة، واعتماد نظام التعويض عن فقدان العمل لأسباب اقتصادية أو هيكلية، وتحديد نظام التعويضات عن الإعفاء أو عن الضرر، مكاسب أساسية لمدونة الشغل..

أما فيما يتعلق بمسألة فض النزاعات ووضع الإطار التنظيمي لممارسة حق الإضراب، فقد اتفقت الأطراف على تطوير آليات لحل النزاعات الاجتماعية ووضع إطار قانوني ينظم هذا الحق.. ليبقى الغياب الملحوظ هو الحديث عن الفوارق الاجتماعية، ومسألة الأجور العليا والأجور الدنيا، وسياسة الطبقية التي تكرسها الحكومة أمام عجز وفقر الغالبية العظمى من فئات الشعب المحرومة.. ولعل الزيادة المعلنة في أجور "علية القوم"، خير دليل على تلك السياسة "المعولمة" التي لا تمت بأية صلة للنموذج الاجتماعي الحداثي الديمقراطي المنشود!.. ولا تساعد البتة في حل الإشكالات العالقة من قبيل خلق فرص جديدة للشغل ومحاربة البطالة، وتقليص العجز الاجتماعي الحاصل في معظم المجالات وأكثرها حيوية: التربية والتعليم، الصحة والسكن وتنمية العالم القروي وتحسين ظروف عيش المواطن القروي، محاربة الأمية والفقر والتهميش الذي تعاني منه معظم الفئات الكادحة والمحرومة، إضافة إلى ضرورة سن سياسة تنموية شاملة، كلها إشكالات تعتبر آنية وتتطلب استنفار جهود كل الفرقاء، وقبل ذلك، تتطلب وجود مسؤولين ذوي نيات حسنة همهم أولا وأخيرا الصالح العام.سيبدأ العمل إذن يوم 8 يونيو الجاري بمقتضيات مدونة الشغل الجديدة، ومعها يبقى السؤال الأساسي هو مدى فرضية تطبيق نصوصها التنظيمية من طرف المشغلين على الرغم من المؤاخذات المسجلة عليها، ومدى استعداد الجميع للعمل على تطبيق القانون سيما وأن مفتشي الشغل لهم عدة مؤاخذات، بل ولهم مطالبهم الخاصة المرتبطة أساسا بضعف الإمكانات المسخرة ماديا ومعنويا..فحسب المعلومات المؤكدة من طرف الجمعية المغربية لمفتشي الشغل، إن عدد المفتشين يبلغ 462 مفتشا بنهاية دجنبر من السنة الفارطة. وقد زادت مدونة الشغل الجديدة من مهام ومسؤوليات المفتشين، الأمر الذي دفعهم إلى اتخاذ أشكال نضالية من قبيل تنظيم ندوات للتحسيس بواقعهم، بل ووصل الأمر بهم إلى اتخاذ قرار شن إضراب وطني يوم فاتح ماي، وينتظر أن ينظموا وقفة احتجاجية أو إضراب وطني يوم دخول المدونة حيز التطبيق..

هذا إذن هو واقع جهاز من المفترض حسب المدونة الجديدة أن يكون ساهرا على تطبيق بنود قانون المرونة! هذا القانون الذي لاشك أنه يتضمن نواقص وسلبيات أولها مفهوم المرونة، نجد أنه يذهب إلى التخفيف من العقوبات الزجرية بالنسبة للمشغل الذي ينتهك قانون الشغل، إضافة إلى تمكينه من تقليص مدة العمل مع تقليص الأجور، وإمكانية تسهيل وتسريح العمال.. ثم إلغاء المدونة لقانون السلم المتحرك للأجور، و ترسيخها وتعميقها الحيف ضد أجراء القطاع الفلاحي، والمقاولات المنجمية والبحارة وحراس العمارات السكنية.. إضافة إلى تقزيم دور النقابة على مستوى المقاولة وتقنين الإضراب وعدم التركيز على بند ضرورة مراجعة الأجور والإصلاح الضريبي المرتبط بها، و عدم تقوية الإجراءات المتعلقة بالتغطية الصحية، - الحديث الآن على التأمين الإجباري على المرض في يونيو 2005 - ، وعدم توسيع مجال الخدمات الاجتماعية الموجهة لليد العاملة وتحسين ظروف الشغل التي تشهد خروقات جمة في العديد من الميادين.أما الحديث عن الواقع الاقتصادي والصناعي وقدرة المغرب على دخول عالم التنافسية، عالم العولمة، فإن الوضعية التنافسية في سوق الشغل العالمية، لا تعطي أي فرصة للمغرب في ظل الظروف الحالية، إذ أنه بعيد كل البعد عن عصرنة القطاع الصناعي والقطاعات المنتجة الأخرى.وقد أكدت الإحصائيات أن سمات سوق الشغل المغربية تبرز أن 5.5 مليون من السكان يشتغلون في القطاع غير المهيكل، كما أن 70% من اليد العاملة سنة 2003 لا تمتلك أية شهادة، و 65% من اليد العاملة توجد في وضعية السكان الأميين بالإضافة إلى أن نسبة البطالة التي تمس أساسا فئة الشباب والنساء، إذ أن 30% من هؤلاء الشباب المعطلين حاملو شهادات جامعية ومهنية، و19.3% نسبة العطالة في المناطق الحضرية..معطيات تؤكد بالملموس أن زحف العولمة الرأسمالية في غياب أي قدرة تنافسية، سيلتهم كل حقوق الفئات العاملة، بل وكل الشعوب الفقيرة .

تاريخ النشر : 06/07/2004