الخميس، 28 أكتوبر 2010

ثقافة الإنترنت، الواقع الملموس

حسن اليوسفي المغاري

elyousfi@gmail.com

في عصر العولمة الإعلامية والمعرفية، وفي إطار الانفتاح الذي أصبح يعيشه الإعلام بصفة عامة، وبموازاة مع التطور التكنولوجي المتمثل في الثورة المعلوماتية، باتت الصحافة محط اهتمام العديد من المؤسسات التي أخذت على عاتقها مهمة بث ونشر المعلومة عبر ما أصبح يصطلح عليه بـ "الفضاء الرقمي"، أو "الشبكة العنكبوتية" أو "العالم الافتراضي" الذي يعني باختصار الإنترنت، هذا الاهتمام الذي أعطى طعما جديدا للإعلام المكتوب عموما، مؤسسات وأفرادا.

أصبحت ثقافة الإنترنت واقعا ملموسا، وصارت الصحافة الإلكترونية بابا مشرعا لكل الإعلاميين وغير الإعلاميين لسبر أغوار الكتابة بكل حرية واستقلالية بعيدا عن كل القيود، لتبقى مسألة الأخلاق والمهنية والوثوقية من أهم الأولويات التي يجب على من يريد خوض تجربة الكتابة الإلكترونية احترامها، وذلك حتى لا يكون فضاء الإنترنت مشرعا للانتهاكات. هذا في انتظار وجود إطار تشريعي منظم للمجال، وإن كان الأمر يبدو صعبا بعض الشئ على الأقل في الوقت الراهن، بحكم أن العمل في الفضاء الرقمي المفتوح لا يمكن تقييده حتى وإن كانت مراقبته ممكنة، وبالتالي لا يمكن وضع تشريعات وإجراءات قانونية زجرية أمام غياب صاحب الفعل، سيما أن هناك فضاءات رقمية مجانية تسمح لمستعملي الإنترنت استخدام المزايا التي تمنحها في نوع من "السرية"، ومن أي مكان يوفر الاتصال الرقمي.

لاشك أن الإنترنت منح لمستعمله فضاء رحبا للتعبير بكل حرية وبدون أية قيود، كما أن الفضاء الرقمي العالمي منح فرصا أكبر للعديد من "المخربين" المعلوماتيين الذين وجدوا في عملية التواصل الرقمي فرصة سانحة لإبراز مواهبهم وقدراتهم التقنية في القرصنة والسطو والتخريب الرقمي، في حين وجد فيه آخرون فرصة ذهبية للتعبير عن معارضتهم وسخطهم وتذمرهم من هذا النظام أو ذاك.. بينما ارتأت فئة أخرى استغلال الفضاء الرقمي للتثقيف وللتوعية وللمساهمة في نشر المعلومة ونشر المعرفة والمساهمة في تطوير المعارف والقدرات...

إن الفضاء الرقمي بهذا المفهوم بات سيفا ذا حدين، وصار المصدر الأول لكل دارس وباحث... بل يمكن القول، وهذا بالرجوع إلى العديد من الدراسات، إن ثورة الإنترنت أصبحت تعتبر من أهم الاكتشافات العالمية في مجال الاتصال الرقمي. و بقدر ما لهذا النجاح من آثار إيجابية على تقديم وإيصال المعارف دون حواجز ودون قيود، بقدر ما له العديد من الآثار السلبية ما لم نتحكم في استعماله.

إن عولمة الإعلام بالمفهوم الذي نعيشه اليوم مع ثورة الإنترنت - في جانبها الإيجابي - ، ومع الانتشار الواسع لوسائل الإعلام عبر الشبكة المعلوماتية الرقمية، صارت من بين أكبر الإنجازات التي حققها العلم الحديث. وعليه، فإن التعامل مع هذا القادم الجديد في حلته الافتراضية، والذي بات يعرف بـ "الإنترنت"، أصبح أمرا مفروضا وملحا، بل ويتطلب منا المزيد من الاهتمام بحكم أن العالم الرقمي في تطور مستمر، وبحكم أن الاتصال بات الآن عبر الأقمار الاصطناعية أمرا مفروضا كذلك، وبدأت مردودية المحطات الأرضية والكوابل تتراجع وراء مردودية ونجاعة الأقمار الاصطناعية التي أصبحت توفر الاتصال فضائيا..

أمام هذا التقدم الملحوظ، وأمام تنامي ثقافة المعلوميات وما يواكبها من تطور تيكنولوجي فرض وجوده عالميا، وبالنظر إلى أهمية ما صرنا نتوصل به من كم هائل من المعلومات والمواضيع والأبحاث والدراسات، لم يجد الإعلام عموما والصحافة المكتوبة خصوصا، بدا من ولوج هذا الفضاء الافتراضي، وأصبحت الشبكة العنكبوتية تعج بالمحطات وبالمواقع الإعلامية الإخبارية، وبمواقع البحث والتحليل... إلى غير ذلك من المواقع التي باتت على شاكلة النسيج الذي ينسج خيوط العنكبوت، وبالتالي صارت نفسها المشكـل الحقيقي لبيت العنكبوت الرقمي.

فعلى الرغم من أن وجود هذه التقنية ليس بالقديم، (أربعون عاما مع حلول شهر أكتوبر 2009)، وبالرغم من أن درجات الاستعمال تختلف من مكان لآخر ومن شخص لآخر ومن دولة لأخرى، فإن ثقافة الإنترنت باتت محط اهتمام الجميع، ولا شك أن كل دارس لهذه الظاهرة الاجتماعية العلمية، لابد له أن يتعرف أولا على تاريخ الإنترنت، هذا المولود الجديد الذي خرج من رحم جامعة كاليفورنيا في شهر أكتوبر من سنة 1969.

بدأت إذن فكرة إنشاء شبكة معلومات من قبل إدارة الدفاع الأمريكية سنة 1969، عن طريق تمويل مشروع من أجل وصل الإدارة مع متعهدي القوات المسلحة الأمريكية، وعدد كبير من الجامعات التي تعمل على أبحاث ممولة من طرف هذه القوات، وسميت هذه الشبكة باسم (أربا) ARPA اختصارا للكلمة الإنجليزية Advanced Research Project Administration وكان الهدف من هذا المشروع تطوير تقنية تشبيك كمبيوتر تصمد أمام هجوم عسكري. وصممت شبكة " أربا " عن طريق خاصية تدعى بطريقة إعادة التوجيه الديناميكي DynamicRerouting إذ تعتمد هذه الطريقة على تشغيل الشبكة بشكل مستمر حتى في حالة انقطاع إحدى الوصلات أو تعطلها عن العمل، تقوم الشبكة بتحويل الحركة إلى وصلات أخرى..

ظهرت فيما بعد شبكة جديدة في عام 1983 م سميت باسم " مل نت " MILNET لتخدم المواقع العسكرية فقط ، وأصبحت شبكة " أربانيت" تتولى أمر الاتصالات غير العسكرية ، مع بقائها موصولة مع "مل نت " من خلال برنامج اسمه "بروتوكول إنترنيت"InternetProtocol (IP) الذي أصبح فيما بعد المعيار الأساسي في الشبكات .

بعد ظهور نظام التشغيل " يونيكس " Unix (نظام تشغيل معلوماتي جديد تم اعتماده في المغرب بعد انتشاره في أوربا) الذي اشتمل على البرمجيات اللازمة للاتصال مع الشبكة وانتشار استخدامه في أجهزة المستفيدين، أصبحت الشبكة مرة أخرى تعاني من الحمل الزائد، مما أدى إلى تحويل شبكة " أربانيت " في عام 1984 إلى مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية National Science Foundation (NSF) التي قامت بدورها وبالتحديد في عام 1986 بعمل شبكة أخرى أسرع هيNSFNET National Science Foundation Network ، وقد عملت هذه الشبكة بشكل جيد لغاية عام 1990 حيث تم فصل شبكة "أربانيت" عن الخدمة بعد 20 عاما بسبب كثرة عيوبها ، مع بقاء شبكة NSFNETجزءاً مركزياً من "إنترنيت".

ولعل المرحلة التي تهمنا أساسا في هذه الدراسة هي بداية سنة 1990، حيث كانت الانطلاقة الفعلية لعملية الإنترنت التي نحن بصدد دراسة بعض جوانبه. هذه المرحلة الجديدة في مجال علم الاتصال الحديث التي أفرزت لنا أشكالا جديدة في الاتصال والتواصل ضمن فضاء مفتوح بدون قيود، بحيث كانت سنة 1993 السنة التي بدأ فيها الإبحارNavigation من خلال إصدار أول برنامج مستعرض الشبكة "موزايـيك Mosaic" ثم تبعته برامج أخرى مثل "نتسكيب Netscape" و "مايكروسوفت إنترنيتInternet Explorer "، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي كلينتون لنشر صفحته الخاصة على الشبكة العالمية وكانت تحت عنوان:http://whitehouse.gov/wh/welcome.html

ليس للإنترنت أية حدود جغرافية، بل هي مفتوحة أمام الجميع إذ أن المشتركون فيها منتشرون عبر بقاع العالم. فمن أصل 3.2 مليون جهاز حاسوب سنة 2000، تجاوز العدد 600 مليون مستخدم للإنترنت سنة2005، أي بمعدل 50% كل ستة أشهر، بمعنى أن العدد يتضاعف سنويا. و يتوقع بحلول سنة 2020 أن يحتوي الإنترنت على كامل الخبرات والأبحاث البشرية في شتى المجالات، والتي تراكمت عبر التاريخ الإنساني.

هذه نظرة مبسطة لتطور الإنترنت، وإلا فإن الدراسات المستفيضة سواء المطبوعة منها أو المتوفرة أيضا عبر مواقع متخصصة – باللغتين الفرنسية و الإنجليزية – ومن خلال كلمة بحث مبسطة "Internet historique " بإمكانها أن تغني الباحث الذي يريد أن يستفيض في الموضوع، وضمن هذا البحث سوف نتناول موضوع تاريخ الإنترنت من خلال ذكر مجموعة محطات رسمت معالم هذا العالم الافتراضي.

نروم من هذا البحث أيضا، التطرق لموضوع واقع وآفاق الصحافة الإلكترونية العربية كإعلام جديد ضمن العالم الافتراضي الذي صار يؤثث شبكة الإنترنت. كما سنتناول موضوع "الصحافة الإلكترونية" على أساس أنها وسيلة تدخل ضمن وسائل الإعلام الجديدة. وبحكم مبدأ القرب، كان من اللازم علينا البحث في السوق الإعلامية الافتراضية المغربية، هذه السوق وإن كانت لازالت ضعيفة جدا بالمقارنة مع شقيقتها في المشرق، إلا أنها بدأت تعمل لأجل اللحاق بالركب الذي أصبح يفرضه التطور التكنولوجي في هذا المجال.

لكن، ولكي تبقى الدراسة في شموليتها التي تهتم بالصحافة الإلكترونية العربية، أو لنقل الإعلام الإلكتروني عموما، فمن الملاحظ أن هذا النوع من الإعلام بات يعرف شيوعا كبيرا في جل المجتمعات العربية، وصارت منابر إعلامية عربية كبيرة لها مواقع إلكترونية إلى جانب الصحيفة الورقية سواء كانت يومية أو أسبوعية أو حتى المجلات المتخصصة منها والمتنوعة، فصار الكل على الخط يمكن الوصول إليه بمجرد كبسة واحدة على الزر..

إن المتتبع للتطور الهائل الحاصل في عملية التواصل الرقمي، وفي وسائل الإعلام الرقمية عموما، ليلحظ أن الاهتمام المتزايد بهذا المجال كفيل بالدراسة والتمحيص، كما أن الأمر يتطلب طرح العديد من الأسئلة.. هذا إلى جانب الهامش الكبير من الحرية في التعبير الذي صار يوفره عالم الإنترنت، عالم "التعبير الرقمي بلا حدود".

لقد صارت الصحافة تحكم بشكل من الأشكال إلى جانب السلطة السياسية، و هي في هذا السياق تسمى بالسلطة الرابعة بعد السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية. الحديث هنا عن الصحافة الورقية، لكن الأمر نفسه بات ملحوظا أيضا بالنسبة للصحافة الإلكترونية التي لا تتوفر على نفس القيود التي تقيد حرية الرأي والتعبير الورقي.. (الأصداء التي خلفها فيديو قناص تاركيست على جهاز الدرك الملكي مثلا).

لقد باتت الصحافة الإلكترونية إحدى القنوات الفعالة التي دخلت حياتنا اليومية، وهي الموجودة على شبكة الإنترنت، بحيث أثرت وبشكل حيوي و مباشر على حركة الصحافة الورقية بما وفرته من سبل كثيرة وسهلة للحصول على المعلومة ومتابعة الحدث أولاً بأول، بل واختصرت مسافات كثيرة على المتابعين للأحداث من كل الفئات والتخصصات.

إن ظهور المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت هو بمثابة نوع من الغزو الثقافي الفكري الإعلامي إن صح التعبير، وهي الآن – أي المواقع - تخوض معركة الوجود أمام وسائل الإعلام الورقية المتعارف عليها منذ مدة.

هنا، يجدر بنا أن نتساءل عن ماهية الوظيفة الحقيقية التي تؤديها هذه المواقع الإلكترونية خصوصاً تلك التي تقوم بما تقوم به الجرائد والمجلات؟ وهل يمكن أن تحل الصحافة الإلكترونية محل الصحافة المطبوعة؟ و هل يمكن أن نتساءل عن هوية تلك المواقع بالنظر إلى أن الفضاء الرقمي فضاء مفتوح؟ وهل يمكن للصحافة الورقية أن تفقد جماهيريتها مقابل الصحافة الإلكترونية؟ وهل السرعة والانتشار الذي تتمتع بهما الصحافة الإلكترونية بإمكانهما القضاء على الصحافة الورقية؟

يتحدث الكثير الآن بأن الصحافة الإلكترونية لا يمكنها أن تكون بديلا عن الصحافة الورقية، ويرى آخرون، وهم كثر، أن عهد كل ما هو تقليدي قد ولى أمام تطور التكنولوجيا بحيث أصبحنا نتحدث عن "التكنو صحافة".. ويتحدث بعضهم عن الفرق الشاسع من حيث الرقابة إذ لا رقابة على الفضاء الرقمي، بينما الفضاء الورقي لازال يخضع للضغوطات السياسية والمالية، إذ على الأقل خرج بواسطتها الكاتب من دائرة الرقيب الذاتي لحد أن قال أحدهم بأنه "صار بإمكان العربي أن يصبح رجلاً على شبكة الإنترنت العربية".

لكن، وأمام كل ما يقال عن الحرية التي تتمتع بها الشبكة الإلكترونية فيما يخص تداول المعلومة، إلا أن هناك رقابة مخابراتية معلوماتية تستطيع أن تصل إلى مصادرة حرية الرأي والتعبير الإلكتروني.

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

التدوين و إشكالية أخلاقيات المهنة وميثاق الشرف

حسن اليوسفي المغاري

elyousfi@gmail.com

جاء في وثيقة عهد الشرف الصحفي الدولي الذي وضعته لجنة حرية الإعلام وأقره التقرير الاقتصادي والاجتماعي لهيئة الأمم المتحدة عام 1959 ما يلي: " تتطلب المزاولة الشريفة للمهنة الصحفية الإخلاص للمصلحة العامة، لذلك يجب على الصحفيين أن يتجنبوا السعي وراء منفعتهم الشخصية أو تأييد المصالح الخاصة المتعارضة مع المصلحة العامة أيا كانت الأسباب والدوافع، فالافتراء والتشهير المتعمد والتهم التي لا تستند إلى دليل وانتحال أقوال الغير، كل ذلك يعد أخطاء مهنية خطيرة ".

فبقدر ما أسهمت التطورات التكنولوجية خصوصا تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في توسيع نطاق حرية الرأي والتعبير في الوطن العربي، بقدر ما فتحت باب الإنترنت مشرعا أمام كل الانتهاكات الحقوقية منها والأخلاقية. بل تعدتها في كثير من الأحيان لتصنف ضمن جرائم يعاقب عليها القانون، وباتت تُعرف بجرائم الإنترنت والمعلوماتية... لكن أمام ذلك تبقى التشريعات العربية قاصرة ولم تواكب أغلبها التطورات الحاصلة في المجال التكنولوجي، وغالبا ما تعتمد في محاكماتها على القانون الجنائي وإن تعددت التشريعات المتعلقة بحماية الملكية الفكرية وتنظيم الاتصالات.

الأكيد هو أن الإنترنت بات يشكل مصدر قلق وإزعاج للعديد من الأنظمة التي لم تستسغ بعد مبدأ حرية الرأي والتعبير كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية. والأكيد أيضا أن تلك الأنظمة تعمل أجهزتها جاهدة في خرق صوت هذا القادم الجديد، الإنترنت الذي أصبح بالنسبة لها عدوا وجب محاربته، فأقامت أنظمة معلوماتية للرقابة وللحجب والمنع.

كما أن هناك شيئا أكيدا وملموسا يتمثل في عدم احترام الكثير من المدونين لأخلاقيات النشر الإلكتروني، وعدم التقيُّد بالأخلاق الواجبة اتجاه الآخر، وهو ما يتأكد يوما بعد يوم خصوصا مع غياب قواعد قانونية تعمل على تأطير مختلف عمليات النشر الافتراضي، التي تتطور بدورها باستمرار بالموازاة مع التطور المضطرد لتقنيات الإعلام والاتصال TIC.

هنا وجب التذكير بأنه ليس كل من يدوّن فهو صحافي، لأن مهنة الصحافة لها أخلاقياتها ولها ميثاقها المحلي والدولي. لكن نظرا للحيوية التي بات يعرفها الإنترنت، لقي التدوين الإلكتروني إقبالا منقطع النظير من طرف كل من رأى فيه – في التدوين – ملاذا للتعبير الحرّ دون قيود. لذلك لاحظنا توالد العديد من المدونات المختلفة الأشكال والمضامين من دون أن يكون أصحابها من ذوي مهنة الصحافة، وبالتالي صارت مسألة الأخلاقيات متجاوزة عند الكثيرين. لذلك، صارت مسألة التفكير في الضوابط الأخلاقية ثم القانونية أمرا مُلحّا حتى لا نمسي ونصبح أمام فوضى عارمة، وصراعات وميوعة أكثر مما يوجد الآن.

وعليه، فإن الحديث في هذه الفقرة الخاصة بالأخلاقيات سوف يهم الجانبين معا: الصحافي المهني و المدوّن العادي لتجنب الكارثة !.

إن مسألة الأخلاقيات المرتبطة بمهنة الصحافة عموما وبالتدوين أساسا، وعندما نتحدث عن التجاوزات التي صرنا نلحظها عبر الفضاء الرقمي، يدفعنا إلى القول بأن الأمر قد استفحل مع التطور العددي الذي يعرفه مجال التدوين المرتبط أساسا بالمجال السياسي، إذ تبقى مسألة وضع قواعد لممارسة الكتابة عبر الإنترنت من الأمور التي وجب التفكير فيها.

يؤكد الواقع الملموس أن هناك صعوبة في الفصل بين ما هو أخلاقي وما هو قانوني، بل لازالت هناك أموراً لم يتم الحسم فيها بعد من حيث المبادئ الأخلاقية والقوانين التشريعية. ولا شك أن هناك قيوداً قانونية وجب التعامل معها، مقابل وجود ضوابط أخلاقية وجب احترامها من كلا الجانبين: الصحفي المهني و المدوّن العادي، نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر ما يلي:

Ø ضرورة ضمان الحياد والدقة في نقل الأخبار، وبالتالي الشفافية التامة

Ø النزاهة في جمع ونشر المعلومات

Ø تحديد مصادر المعلومات ونسبتها لأصحابها

Ø احترام الحياة الشخصية للفرد وللجماعة

Ø عدم تشويه محتوى الصور سواء كانت جامدة أم متحركة [1]

Ø تجنب أية ممارسات غير أخلاقية: التشهير، السب والقذف، استغلال النفوذ، استغلال الصور المفبركة، التهديد والابتزاز، الصور الإباحية الجامدة والمتحركة (...)

Ø ضرورة الإشارة إلى المصدر الأصلي لأي معلومة باستعمال الروابط

وبالرجوع إلى جمعية المدونين المغاربة [2] نجد أنها قد حددت ميثاق شرف التدوين وصحافة المواطن، يؤكد على أن: [3]

* الهدف من هذا الميثاق حماية وتقوية رابطة الثقة والاحترام المتبادل بين المدونين وبين الشعوب عموما ومتصفحي الإنترنت خصوصا، وهي رابطة تعتبر أساسية للدفاع عن الحريات والحقوق، التي يتعين على الإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني العمل على صيانتها لدفع مجتمعاتنا نحو الرقي والتقدم والازدهار.

* حرية الإعلام من حرية الوطن، والتزام المدونين بالدفاع عن حرية الإعلام والتعبير واستقلالها عن كل مصادر الوصاية والرقابة والتوجيه والاحتواء واجب وطني وأخلاقي مقدس.

* الحرية أساس المسؤولية، والكلمة الحرة هي الجديرة وحدها بحمل المسؤولية الكاملة وعبء توجيه الرأي العام على أسس حقيقية.

* حق المواطنين في المعرفة هو جوهر العمل الإعلامي وغايته، وهو ما يستوجب ضمان التدفق الحر للمعلومات، وتمكين الإعلاميين والمدونين من الحصول عليها من مصادرها وإسقاط أي قيود تحول دون نشرها والتعليق عليها.

* المدونون مسؤولون أمام الجمهور عن منشوراتهم، والجمهور يجب تشجيعه على أن يجهر بشكاواه ضد وسائل الإعلام عموما وكذا المدونين، الحوار المفتوح بين المدونين والإعلاميين والجمهور منقراء، ومستمعين، ومشاهدين ومتصفحين ظاهرة صحية يجب تشجيعها ومبدأ إيجابي يجب دعمه.

* التدوين رسالة حوار ومشاركة وعلى الجميع واجب المحافظة على أصول الحوار وآدابه ومراعاة حق الغير في التعقيب والرد والتصحيح، وحق عامة المواطنين في حرمة حياتهم الخاصة وكرامتهم الإنسانية.

* للتدوين مسؤولية خاصة تجاه صيانة الآداب العامة وحقوق الإنسان والمرأة والأسرة والطفولة والأقليات والملكية الفكرية للغير.

* اتحادات المدونين مؤسسات ديمقراطية مفتوحة تتوحد فيها جهود المدونين دفاعا عن مكتسباتهم وحقوقهم، وهى المجال الطبيعي لتسوية المنازعات بين أعضائها وتأمين حقوقهم المشروعة، وتضع الاتحادات والهيئات التدوينية الموقعة على هذا الميثاق ضمن أولوياتها العمل على مراعاة الالتزام بتقاليد التدوين وآدابه ومبادئه، وإعمال قرارات ميثاق شرف التدوين، والنظر في مخالفات بنوده والتعامل مع كل من يخرقه من أعضائها أو يعرض مبادئه وأسسه للتشويه طبقا للإجراءات المحددة المنصوص عليها في قانون كل اتحاد.

في حين لخصت الجمعية التزامات المدون في:

*الالتزام في ما يكتبه بالحقيقة وأمانة النقل وصدق التأويل ودقة الوصف، والحذر من نشر الوقائع والأحداث بصورة مشوهة أو مبتورة.

*تحري الموضوعية والدفاع عن أفكاره وقناعاته بالحجج والبراهين مع احترام آداب الحوار وأخلاقيات الاختلاف.

*التنزه عن الانحياز إلى الدعوات العنصرية أو المتعصبة، أو التي تنطوي على امتهان الأديان السماوية أو الإساءة للأنبياء والكتب السماوية، مع تجنب كل ما يمكن أن يساهم في إحياء الصراعات الإثنية أو إثارة النعرات العرقية والتجييش الطائفي.

*الابتعاد عن بث الحقد وإشاعة الكراهية في نفوس القراء، والمساهمة بدلا من ذلك في نشر ثقافة الحوار والتسامح والتقارب والتعايش بين مختلف فئات المجتمع وطوائفه.

*التحلي بروح المسؤولية في الكتابة والإبداع واستشعار دور الكلمة الهادفة في تربية النشء على المثل العليا والمبادئ القويمة والأخلاق الحسنة، وتوعية الأجيال بحقوقها وواجباتها وتحفيزها على المشاركة الإيجابية والانخراط البناء في تطوير المجتمع وتشييد الحضارات.

*الدفاع عن قضايا الحرية وتعميق ممارسة الديمقراطية، وتأييد حق المواطن في المشاركة إيجابيا في أمور وطنه وقضاياه اليومية.

*التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسياسية، ومساندة الحركات التحررية ومنظمات حقوق الإنسان في أرجاء الدنيا وشجب حركات التمييز العنصري في العالم.

*تجنب المس بحريات الآخرين أو المس بسمعتهم وحياتهم الخاصة أو الإساءة عن قصد لتاريخهم وتاريخ مقربيهم، مع الامتناع عن نشر اتهامات غير رسمية، تؤثر في سمعة أو كرامة شخص دون إعطائه فرصة الرد.

*الالتزام بتصحيح جميع المعلومات الخاطئة عن غير قصد مع تمتيع كل من يهمه الأمر بالتعليق على المواضيع ، وكفل حق الرد لهم في حدود الموضوع مع احتفاظ المدون بحق التعقيب.

*الامتناع عن نشر أي مادة إعلانية أو معرفية تتعارض مع قيم المجتمع ومبادئه وآدابه العامة أو مع رسالة المثقف.

*الامتناع عن الخلط بين كتابات الرأي والكتابات الإعلانية، مع تمييز المواد الإعلانية والإشارة إلى طبيعتها بوضوح تام للمتصفح والقارئ.

*التدوين عمل شريف، ويحضر على المدون استغلال مدوناته ومواقعه من أجل الحصول على هبات شخصية أو قضاء مصالح خاصة على حساب الحقيقة وصدقية المعلومات.

*التدوين في شق كبير منه عمل صحفي، وعلى المدون احترام أخلاقيات مهنة الصحافة ومبادئ العمل الإعلامي، فلا يتناول قضايا المحاكم بنية التأثير على سير عمل الهيئات القضائية، كما يلتزم بعدم نشر أسماء وصور المتهمين المحكوم عليهم في جرائم الأحداث، مع تجنب التطرق للتفاصيل غير اللائقة في موضوعات الدعارة والجريمة

*احترام حق المؤلف واجب أخلاقي، وعلى المدون الإشارة إلى مصادر معلوماته ومواطن اقتباسه.

*الالتزام بالتحري بالدقة اللازمة والممكنة في توثيق الأقوال وتأريخ المعلومات مراعاة لأصول العمل الصحفي والإعلامي، مع القيامبالتصحيحات اللازمة والكاملة فورا لأية أخطاء قد يجري ارتكابها.

*الامتناع عن استعمال المدونات لتصفية الحسابات والمنازعات الشخصية، أو ترويج الشائعات ولو بحسن نية، أو اتهام الناس بغير دليل، أو استغلال حياتهم الخاصة لجلب الجمهور عن طريق التشهير بهم وتشويه سمعتهم.

*على المدونين ألا يحاولوا انتهاك حق الأشخاص في الاحتفاظ بحياتهم الخاصة بعيدا عن الأخبار.

*الامتناع عن تعريض حياة المدنيين للخطر بأي وسيلة كانت.

*الامتناع عن نشر أو ترويج جميع المواد الإباحية أو المخلة بالآداب والتي تخدش الحياء العام أو تلك، التي تعلم الأطفال العنف أو تدعوالشباب للتطرف وقتل المدنين والأبرياء.

الحفاظ على أسرار - المهنة- وعدم الإفشاء أو الكشف عن مصادر المعلومات إذا تطلب الأمر، كما أن العهود التي يقدمها المدون الإعلامي بالحفاظ على سرية مصادر أخباره لا بد من الوفاء بها مهما كان الثمن، ولهذا السبب يجب ألا يقدم المدونون الإعلاميون هذه العهود باستخفاف، وما لم تكن هناك حاجة واضحة وملحة إلى التغطية على المصادر من طرف المدون الصحفي، فإن مصادر هذه الأخبار يجب الكشف عنها.

*عناوين المقالات يجب أن تتفق مع ما يتضمنه المقال من معلومات، والصور أو المواد الصوتية والمرئية يجب أن تعطي صورة دقيقة للحدث، وألا تضخم في حادث بسيط، أو تتحدث خارج الموضوع.

*الممارسة السليمة تطلب التفرقة بين التقارير الإخبارية وبين التعبير عن وجهة النظر، والتقارير الإخبارية يجب أن تكون خالية تماما من الرأي أو الانحياز، وأن تمثل جميع جوانب الحدث.

*المقالات الخاصة بنصح الجمهور أو بالنتائج، التي يتوصل إليها المدون بنفسه ـ وكذلك تفسيراته ـ يجب أن تكون عناوينها واضحة، حتى يعرف القارئ أن هذا هو الرأي الشخصي أو استنتاج المدون.

*على المدونين في جميع الأوقات أن يظهروا الاحترام اللائق بكرامة الناس الذين يقابلونهم وخصوصياتهم وحقوقهم، أثناء جمع المواد الإعلامية وتقديمها

*يحضر على المدون الخروج على قواعد اللياقة وأعراف التدوين في التعامل مع زملائه أو مع الآخرين، أو تجريح أعضاء أسرة المدونين دون حق أدبي أو مادي تقره القوانين والأنظمة أو تقاليد التدوين.

*المدونون مسؤولون مسؤولية فردية وجماعية عن الحفاظ على كرامة التدوين وشرفه ومصداقيته التي هي أمانة في أعناقهم جميعا، وهمملتزمون بعدم التستر على الذين يسيئون إلى المهنة أو الذين يخضعون أقلامهم للمنفعة الشخصية بما في ذلك استغلال السلطة أو النفوذ في إهدار الحقوق الثابتة لزملائهم أو مخالفة الضمير والأخلاق المهنية، وعليهم التقيد بواجبات الزمالة في معالجة الخلافات التي تنشأ بينهم مع تجنب كافة أشكال التجريح الشخصي والإساءة المادية أو المعنوية.

*يلتزم المدونون بواجب التضامن دفاعاً عن مصالحهم المشروعة، وعما تقره لهم القوانين والأعراف من حقوق ومكتسبات، ويتمسك المدون بما يلي من حقوق باعتبارها التزامات واجبة الاحترام من الأطراف الأخرى تجاهه.

*تجنيب اتحادات المدونين أي خلافات أو مهاترات بين المدونين والحفاظ على كيان الاتحاد لخدمة رسالة التدوين والمدونين والاحتكام إلى قوانينه وأنظمته في ما يتصل بالمسائل التدوينية.

*على المدونين أن يوقفوا ويمنعوا أي انتهاكات لهذه القواعد والمعايير، وعليهم أيضا تشجيع مراعاتها متفهمين أن الالتزام بقواعد الأخلاق هذه تهدف إلى حماية رابطة الثقة والاحترام المتبادلين بين المدونين وبين الشعب والرأي العام. [4]

هذه بعض الاجتهادات فقط، لكن الواقع العملي يستوجب التخمين في كل ما من شأنه أن يضفي على "مهنة" التدوين صبغة المصداقية وإلباسها لبوسا أخلاقيا.

مقابل ذلك، نجد أن المجال الصحافي بدوره قد خصص لنفسه وبالرجوع إلى ميثاق اتحاد الصحفيين العرب المنبثق عن اجتماع الاتحاد المنعقد بالقاهرة في شهر أكتوبر 2004، خصص لنفسه مبادئ ترتكز أساسا على مبدأ أن الحرية: [5]

1- حق طبيعي عام لكل الشعوب والأفراد دون تفرقة، في ظل دولة القانون والدستور والمؤسسات ، وبتطبيق الآليات الديمقراطية السليمة، التي تكفل لكل مواطن حقه الطبيعي في المساواة والعدل الاجتماعي، والتعبير عن رأيه بكل الطرق المشروعة، والمشاركة في صنع القرارات وتشكيل السياسات، وانتخاب القيادات دون ضغط أو إكراه، في ظل وطن حر مستقل يمارس سيادته الكاملة على أرضه .

2- حرية الصحافة والرأي والتعبير، هي عصب الحريات العامة، ومكونها الرئيسي، وهي حق لكل مواطن، وليست حكراً فئوياً أو امتيازاً خاصا للصحفيين والكتاب، لكنها امتياز لكل فئات المجتمع وأفراده، الأمر الذي يقتضي إحاطتها بسياج خاص من الضمانات الشرعية والدستورية .

3- الحرية بشكل عام وحرية الصحافة والرأي والتعبير بشكل خاص، لا تنبت وتزدهر إلا في بيئة مجتمعية حاضنة، تعتمد ثقافة العدل والمساواة وتحترم حقوق الإنسان، السياسية والمدنية والدستورية، والاجتماعية الاقتصادية، والثقافية الفكرية، وفق ما نصت عليه المرجعيات السماوية والوضعية، الوطنية والقومية والدولية، وخصوصا الميثاق العالمي لحقوق الإنسان و نصوص العهدين الدوليين المكملين له.

4- حرية كل فرد في وطنه، ترتبط بحرية الوطن في محيطه الإقليمي والدولي.

بات الحديث إذن عن حرية التعبير المرتبطة بالمدونات، واحدة من لوازم الحديث عن هذا النوع من الإعلام الجديد في الوطن العربي. وفي ظل الاكتساح الهائل لوسائل الإعلام المتعددة عبر الإنترنت، واكتساح التكنولوجيا الحديثة لكل مجالات النشر (كتابة وتصوير فوتوغرافي أو تصوير رقمي متحرك)، صرنا لا نجد بُدّا من التركيز على ضرورة احترام الأخلاقيات والتشبث بها، بل والعمل على أن تُصبح بمثابة "الرقيب الذاتي" لكل مُدوّن أو متعامل مع مختلف وسائل النشر الحديثة.

إننا الآن أمام عولمة الإعلام وعولمة وسائل الإعلام وسط عالم بات أصغر من قرية، عالم تنتهي فيه حُرّيتي عند انتهاكي لحرية الآخر. وكما قال الشاعر:

لا تَنهَ عن خُلُق وتأتي مثلهُ عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ



[1] يمكن التلاعب بالصور عن طريق تغيير المحتوى الأصلي، وذلك باستعمال تقنيات وبرامج متطورة في هذا المجال:

مثل برناج Photoshop

[2] جمعية خاضعة لظهير الحريات العامة، مؤسسة مدنية مفتوحة في وجه جميع المدونين والمدونات المغاربة بمختلف خلفياتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية. تشكلت منذ عامين من مجموعة من الشباب المغاربة المدونين، ويرأسها حاليا "سعيد بن جبلي".

[3] جريدة الصحراء المغربية: بتاريخ 04 أبريل 2009 - http://www.almaghribia.ma/Reports/Article.asp?idr=287&id=84203

[4] جريدة الصحراء المغربية: بتاريخ 04 أبريل 2009 - http://www.almaghribia.ma/Reports/Article.asp?idr=287&id=84203

[5] اتحاد الصحفيين العرب – الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان - : زيارة الموقع بتاريخ 19 أبريل 2010. http://www.anhri.net/mena/faj/pr040000.shtm