الخميس، 27 مايو 2004

إسرائيل تهدي للعرب مجزرة رفح

القمة التي ...

سبق أن كتبنا في مقال سابق عن القمة العربية التي لم تقم ولن تقوم لها قائمة.. الآن، وبعد شهرين من الأخذ والرد، انعقدت قمة "الأمل" مخيبتا كل الآمال التي كانت عند بعض من كانت لديهم بذرة أمل في" زعماء" العرب.. وتأكد بالملموس أنه لن تقوم لقمة العرب أية قائمة، و تأكد بما لا يدعو مجالا للشك أن الزعماء وجامعتهم العربية صاروا مسخرة على لسان شعوبهم، ومادة دسمة في حديث كل المحللين والمراقبين، بل وحتى لرسامي الكاريكاتير.

انعقدت إذن قمة العرب بمن حضر من العرب، وكانت ظاهرة الغياب والانسحاب والمغادرة أهم ما ميز القمة! لم يحضر أشغال جلسة الافتتاح كاملة سوى إثنا عشر زعيما بعد انسحاب "الزعيم" الليبي في بدايتها. بينما غادر المؤتمر قبل الجلسة الختامية خمسة زعماء، أما المتغيبون فهم تسعة مثلهم الوزراء! هذه هي القمة التي كانت من المفترض أن تجمع شمل العرب..تعهدوا وتعاهدوا وتوافقوا، وكان قرار الإصلاح الداخلي ختاما لوثيقة العهد والوفاق. وغاب التنديد الشديد اللهجة على الجرائم الوحشية للعدو الصهيوني في فلسطين، وغابت القرارات المؤيدة للمقاومة ولإحياء جبهة الدفاع المشترك، كما غاب الإعلان عن الدعم اللوجستيكي للمقاومة.. أما العراق، بلد الحضارة والتراث، فقد ترك لتستباح أرضه وعرضه وماله! واكتفت القمة بالكلام المباح!فكان إعلان تونس والبيان الختامي، عبارة عن إقرار لوثيقة عهد ووفاق وتضامن بين قادة الدول العربية.. وحديث عن مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي.. وحلم بالتجارة العربية البينية..لقد عرفت قمة تونس بكثرة المبادرات المقدمة، وكان الحديث قبل ذلك عن مبادرة الشرق الأوسط الكبير المقدمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، المبادرة التي تركت آثارا وسلكت على منوالها مقترحات أخرى قدمت مجزأة، فكانت مبادرة الأمين العام للجامعة التي تضمنت تسعة مشاريع في إطار الإصلاح وهي البرلمان العربي ومجلس الأمن العربي ومحكمة العدل العربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وإستراتيجية التكامل الاقتصادي العربي وبنك التنمية والاستثمار العربي وآلية اتخاذ وتنفيذ القرار ونظام الجزاءات والعقوبات في حالة عدم الالتزام بالقرارات، إضافة إلى مجلس عربي أعلى للثقافة.ثم المبادرة المصرية التي تربط فيها مصر بين الإصلاح السياسي في العالم العربي وبين الثقافة المحلية والتقاليد الدينية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وترحب بالتعاون مع الدول الصديقة المستعدة للتفاعل على أساس من الندية الكاملة وعدم محاولة فرض نموذج معين وتجنب ما يتعارض مع التوجهات المنبثقة من الثقافة والدين والقومية.بينما أكدت المبادرة الثلاثية المشتركة بين مصر والسعودية وسوريا أن الزعماء العرب يستهدفون استنهاض المواطنين عن طريق توسيع المشاركة السياسية وإنجاز الإصلاحات الضرورية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن المبادرة لم تشر إلى الديمقراطية، ولا إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة.لتبقى المبادرة الأمريكية التي عرفت باسم "الشرق الأوسط الكبير" والتي تقوم أولوياتها على الإصلاح عبر تنمية المنطقة، هي أصل كل المبادرات الأخرى المقدمة والتي تتحدث عن الديمقراطية عبر تشجيع الانتخابات الحرة، و الحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق داخله التنمية، والأفراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم أدوات التنمية، والمبادرة في مجال الأعمال هي ماكينة التنمية. مع التركيز على مكافحة الفساد وإصلاح التعليم...الأمر الذي لخصه إعلان تونس وثمنه البيان الختامي في مجمل نقاطه بالإطلاع على محتويات ما أقره الزعماء الحاضرون الغائبون، يتأكد لكل سادج أن الاستمرار في الرضوخ للإملاءات الأمريكية، والمطالبة بالتزام اتفاقيات السلام - أو بالأحرى الاستسلام- أمام العدو الصهيوني، ما هي إلا انبطاحات جديدة في وقت تتشبث فيه الشعوب بخيار المقاومة.لقد أبانت مقررات المؤتمر العجز الرسمي العربي، وحتى إن التزمت بما أسمته القمة " التطوير والتحديث والإصلاح"، فهل سنشهد في المستقبل القريب استقالات جماعية للمسؤولين العرب وإقرارهم بالعجز وفضحهم للمؤامرات الطويلة التي هم مساهمون فيها؟هل سنشهد إصلاحا في سياساتنا الداخلية ونعيش الحرية والديمقراطية التي توصل إلى محاكمة وعزل الزعيم؟ وهل التنمية التي أكد وتعاهد وتوافق عليها الزعماء، ستؤدي إلى محاسبة الزعماء الذين يتحكمون في أرزاق شعوبهم من خلال التحكم في خيرات بلدانهم؟ هل سيكون بوسعنا مطالبة الزعماء وكل من يتربع على كرسي من ذهب أن يعيد للشعب ما للشعب؟ لقد توافق وتعاهد العرب على تعزيز الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة في المجال السياسي والشأن العام، وتعزيز دور مكونات المجتمع المدني كافة في المشاركة، ودعم برامج التنمية الشاملة وتكثيف الجهود الرامية إلى الارتقاء بالأنظمة التربوية، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وتكريس قيم التضامن والتكافل، ثم الإسهام في إطار الجهود الدولية المبذولة لمكافحة ظاهرة الإرهاب.. يجب إذن أن نستبشر خيرا، على الأقل فإن حالنا الداخلي - بعد تعهد وتعاهد وتوافق – مجمع الزعماء، سيكون على ما يرام إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز.. وبعد ذلك يمكن أن نمعن النظر في واقع حالنا مع أعدائنا !! يقول الله العزيز في منزل تحكيمه( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) "الرعد 11". صدق الله العلي العظيم، وصدق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قال: " يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"

تاريخ النشر : 27/05/2004

الأربعاء، 12 مايو 2004

حينما يتحدثون عن الأجور العليا والدنيا

طفا في الآونة الأخيرة على الساحتين السياسية والاجتماعية، حديث تتداول أطرافه مجالس العامة والخاصة.. حديث يؤرق بال العامل والموظف البسيط، ويزيد من تكريس الفوارق الاجتماعية التي صارت مظاهرها بادية للعيان أكثر من أي وقت مضى: أجور عليا وامتيازات وعيش رغيد، وتفقير وتجهيل وحرمان وتعطيل..إنه الواقع الأليم الذي صارت تعيش على إيقاعه الملايين من الفئات المغتصب حقها، بينما علية القوم يرغدون في بحبوحة العيش الكريم.

لاشك أن الأمر يدخل في باب "وفضلنا بعضهم على بعض في الرزق" كما سبق لأحدهم أن أجابني به في إحدى اللقاءات الصحفية، وبالمناسبة فهو الآن وزير محترم ! .. لكن، وبالنظر إلى واقع الأمور، هل يعقل أن نزيد في دخل علية القوم ونجعلهم أباطرة المال، بينما غالبية الشعب يتلظى بنار الفقر وبلظى الحرمان؟إن المتتبع لمسار " العدالة الاجتماعية" التي طالما تحدث عنها المسؤولون في بلدنا الحبيب، لن يكون بوسعه القفز عن هذه الهوة الفاحشة، حيث المزيد من تكريس سياسة إغناء الغني وتفقير الفقير.. ولعل الحديث الذي يدور حاليا في دواليب مراكز القرار حول الزيادة في الأجور العليا، والرفع من مستوى التعويضات، ومنح المزيد من الامتيازات للفئات العليا فقط، خير دليل على أن السياسة الاجتماعية التي تنهجها "حكومتنا الموقرة"، سياسة واضحة المعالم!.. سياسة قوامها المزيد من التحقير والتبضيع لكل المحرومين.. وبالنظر إلى تكاليف المعيشة التي لا تتوقف عن الارتفاع، وحسب المعطيات المتوفرة، فإن الموظف والعامل البسيط الذي لا يزيد دخله عن الحد الأدنى للأجور، هو في صراع يومي من أجل البقاء! ويعيش واقعا أقل ما يمكن أن يوصف به، واقع كارثي.. أما من هم في أسفل سلم " السلم الاجتماعي"، نسأل الله لنا ولهم الثبات وحسن الختام.

منذ مدة ونحن نسمع الدوائر الرسمية تتحدث عن مراجعة منظومة الأجور، وعن إحداث لجان للتدقيق، وأخرى للبحث والتقصي ورفع التقارير.. لكن؛ ومع توالي المسؤولين سواء في الحكومات أو في التشريع، يزيد التأكيد على أن الاستغلال ومناصب النفوذ، لا يمكن لها إلا أن تكرس واقعا سماته الأساسية الجشع والدفاع عن المصالح الشخصية لا غير، الأمر الذي لمسناه في المقترح القاضي بضرورة الزيادة في أجور "كبار" القوم من الموظفين والبرلمانيين..إن السياسات الطبقية التي تعمل على تحديد الأجور، سياسة لن تزيد بلادنا إلا انحدارا وتهميشا للمواطن البئيس، ولن تعمل أبدا على تحقيق العدالة الاجتماعية التي يحلو للبعض التغني بها؛ بل ولن تزيد الوضع إلا تأزما وانفجارا في واقع صار مهيئا للانفجار في أي وقت وحين.هذه السياسة الطبقية التي ترسمها لوبيات الاحتكار، أدت في مجملها إلى جعل سياسة الأجور تعرف فحشا فاق كل الحدود، بحيث تجاوز في كثير من الأحيان المتعامل به في البلدان الغربية. وهكذا نرى أن الفارق بين دخل الموظف البسيط والموظف السامي يتجاوز الـ40 مرة، هذا دون احتساب التعويضات والحوافز التي تكون خارج إطار الراتب الشهري الأساسي.

وقد أكدت المعطيات أن هناك اختلالات وتمييزا بين مختلف هيئات الموظفين، وبأن هناك تضخما كبيرا على مستوى التعويضات، وفارقا شارخا بين أجور موظفي الدرجات العليا والدرجات الدنيا.. إضافة إلى استفحال ظاهرة الامتيازات التي تفوق في أحيان كثيرة الراتب الأساسي بـ10 مرات! إلى جانب ذلك، نجد أن وزير المالية الذي تقدم، أمام لجنة المالية في مجلس النواب يوم الثلاثاء 11 ماي الجاري، بعرض في الموضوع، كان عرضه ملتبسا ويكتنفه الكثير من الغموض. ولم يتناول قضية الأجور العليا إلا من باب العموميات عوض التفاصيل، ورفض الكشف عن المستور.. ولعل المستور الكامن في التعويضات الخاصة بوزارة المالية والتي تعتبر من أكبر التعويضات، هي التي جعلت وزير المالية يبقى في دائرة الغموض.

من الملاحظ أن بعض الأحزاب السياسية صارت تطالب بوضع سياسة جديدة للأجور العليا، وهناك أصوات أخرى تنادي بوضع قانون يكون بمثابة "دستور" يجعل راتب الوزير الأول أعلى أجر في الدولة.. وأصوات تنادي بإلغاء التعويضات والامتيازات.. بل هناك من ذهب إلى تبني عريضة تحتوي على مليون توقيع ضد الزيادة في أجور علية القوم..وأمام كل هذه الأصوات، وجب التذكير بأن أكثر من 10 ملايين مغربي يعيشون فقرا مدقعا، بمعنى أن هذا العدد الذي يساوي ثلث ساكنة المغرب لا يتجاوز دخله اليومي الـ10 دراهم! وبأن أكثر من ثلاثة أرباع المغاربة العاملين أجورهم دون الحد الأدنى! وبأن جيوشا من المتخرجين سنويا ينضافون إلى لوائح العاطلين، وعددا من الدكاترة والمهندسين معطلون.. إن نهج سياسة عادلة في مجال الأجور، هي الكفيلة بجعل الموظف والعامل أكثر تحفيزا على الانخراط في التنمية. ولا يمكن بناء مستقبل مجتمعي يسوده الرخاء والطمأنينة، دون ضمان عيش كريم لكل فئات المجتمع.ولعل طلب العيش الكريم لا يتطلب اعتماد أجور خيالية، بل بالتخلي عن الأجور والتعويضات والامتيازات الخيالية التي تمنحها الدولة لفئة قليلة، وبالالتزام بعدم نهب أموال الشعب، وبالرجوع إلى روح التربية التي تعتمد مبدأ القناعة.. يمكن تحقيق العدل والرخاء الاجتماعي .

تاريخ النشر : 21/05/2004