السبت، 4 يناير 2003

واقع التعليم العالي والجامعات العربية


واقع التعليم العالي والجامعات العربية
تقوقع بين التخلف والتعليم السلطوي الذي يقتل الإبداع
مجموع ما نتفقه البلاد العربية على البحث العلمي
يقل عن 0.5 % من الناتج القومي

ندرج في هذا الخاص عن التعليم العالي، بعض الفقرات التي وردت ضمن بحث للدكتور على القاسمي المنشورة في السلسلة الأخيرة "المعرفة للجميع" تحت عنوان الجامعة والتنمية، وهي تعبر عن واقع التعليم العالي والجامعات في الأقطار العربية بصفة عامة.


متطلبات التنمية البشرية والمستدامة
لكي يتحقق هذا النوع من التنمية لابد من توفر المناخ السياسي والاجتماعي والثقافي الملائم، مناخ سياسي يقوم على مبدأ الحرية والمساواة، تحترم فيه حقوق الإنسان وتصان كرامته، ومناخ اجتماعي يسود فيه التعاون والتكامل بين مكونات المجتمع أفرادا ومؤسسات، ويعم فيه الأمن والطمأنينة، ما يتيح للإنسان تحقيق ذاته، وتحرير إمكاناته المبدعة، وإطلاق قدراته الخلاقة، ومناخ ثقافي تندثر فيه الأمية، وتشيع فيه المعرفة العلمية والتقنية، وتسود فيه قيمة العمل فيشارك الرجال والنساء معا في الإنتاج.


الوضع في الأقطار العربية
إذا نظرنا إلى الوضع في الأقطار العربية وجدنا أن التنمية –حتى بمفهومها الاقتصادي المحدود – بطيئة إذا ما قورنت بما هو عليه الحال في أقطار العالم الأخرى. فإحصاءات البنك العالمي تشير إلى أن معدل نمو دخل الفرد في الأقطار العربية خلال العقدين الأخيرين لم يتجاوز 0.5 % بالمقارنة مع الأقطار النامية حيث بلغ فيها 3.3 % وحتى في الأقطار الأقل نموا، كان معدل النمو 0.9 % في الفترة نفسها. وتشير هذه الإحصاءات كذلك إلى أن مؤشر الإنتاجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الفترة من 1960 إلى 1990 قد انخفض بنسبة 0.2 %. فقد كان معدل الدخل الوطني الخام للعامل الواحد في البلاد العربية عام 1960 أعلى منه في هونغ كونغ وكوريا وتايوان. ومن ناحية أخرى، تشير تقديرات اليونسكو إلى أن عدد الأميين في الدول العربية بلغ عام 1999 حوالي 68 مليون شخص، أي ما يمثل 40 % من مجموع السكان الذي تتجاوز أعمارهم 15 عاما، وأكثر من نصف الأميين من الإناث.
وبعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا سنويا عن 173 دولة يرتبها من الأفضل (رقم 1) إلى الأسوأ (رقم 173) طبقا لمؤشرات التنمية البشرية الشاملة التي تعتمد معايير متوسط العمر، وانتشار المعرفة، ومستوى المعيشة، كما ذكرنا. ويشير التقرير إلى أن نسبة الحرمان في البلاد العربية تبلغ حوالي 32 في المائة مقاسة بمؤشر الفقر الإنساني، وأن مواطنا من كل خمسة مواطنين يقف على عتبة الفقر أي يعيش على أقل من دولارين في اليوم.
وتحتل الدول العربية رتبا متأخرة جدا في تقارير البرنامج. ففي تقريره لعام 2001، احتل المغرب مثلا، الرتبة 123 بعد أن كان يحتل الرتبة 112 عام 2000. واحتلت مصر الرتبة 115، وسوريا 108، والجزائر100، والأردن99، وتونس 97، وسلطنة عمان 78، ولبنان 75، والسعودية 71، وليبيا 64، وقطر 51، والإمارات العربية المتحدة 46، والكويت 45، والبحرين 43 (وهي أفضل الدول العربية في مضمار التنمية البشرية طبقا لهذا التقرير). ولاشك أن سياسات المؤسسات التمويلية والاقتصادية العالمية مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، التي تهيمن عليها الدول الكبرى، لا تراعي مصالح الأقطار الفقيرة بقدر ما تسعى إلى تحقيق الأرباح لتلك الدول الكبرى.


الجامعة مسؤولة عن التنمية
وقد يتساءل المرء قائلا: كيف يتسنى للجامعة أن تسهم في تحقيق التنمية البشرية الشاملة التي نتمناها ؟ ألسنا نطلب المستحيل منها ؟
من المتفق عليه أن التنمية الشاملة تتطلب تضافر جهود القطاع العام والقطاع الخاص والتعليم. ولكن المسؤولية الأساسية تقع أولا وبالذات على الجامعات، لأنها هي الأداة الأهم والأكثر فاعلية في العملية التنموية، فعليها يقع عبء تطوير أجهزة الدولة والقطاع الخاص والتعليم بشكل عام. وتوجيه نشاط هذه الأجهزة الوجهة الصحيحة التي تخدم أهداف التنمية البشرية الشاملة.
وتستعين الجامعة على بلوغ غاياتها بثلاثة أنواع من الأنشطة يكمل بعضها بعضا:
إعداد قيادات المجتمع، وإجراء البحوث العلمية، وخدمة محيطها الاجتماعي والاقتصادي. فالتعليم الجامعي يسعى إلى تخريج قيادات قادرة قادرة على إيجاد المناخ السياسي والاجتماعي والثقافي المطلوب لإنجاز العملية التنموية. ولذا لا يقتصر التعليم الجامعي على الإعداد الأساسي الذي يتلقاه الطلاب الجامعيون فقط، وإنما تتعهد الجامعة كذلك بتزويد قيادات الدولة والقطاع الخاص بالتدريب التكميلي والتدريب المستمر اللذين تفرضهما التحولات العالمية المتلاحقة والتطورات العلمية والتقنية المستمرة. فإضافة إلى المقررات الدراسية التي تدرسها الجامعة لطلابها، تضطلع بتنظيم دورات تدريبية قصيرة لقيادات القطاعات المختلفة في البلاد لتزيد من كفاءاتها، وترفع من قدراتها، وتجعلها أكثر فاعلية في الإسهام في العملية التنموية.
والجامعة هي المؤسسة المؤهلة لتزويد القيادات الوطنية في مختلف القطاعات بآخر التطورات في حقول المعرفة وتدريبها على أحداث التقنيات، بفضل توفرها على هيئة أكاديمية على صلة دائمة بمصادر المعرفة العالمية، وبفضل ما تجريه من بحوث علمية تستفيد من نتائجها وتطبيقاتها جميع المؤسسات الوطنية، وتضطلع مراكز البحوث العلمية الجامعية بإجراء نوعين من البحوث : بحوث أساسية نظرية تساعدنا على فهم ذواتنا، وطبيعة العلاقات بيننا، وإدراك سنن الطبيعة التي نعيش في كنفها، فتنمو المعرفة الإنسانية عموما، وبحوث تطبيقية تهدف إلى استثمار المعرفة العلمية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات لزيادة المردودية الاقتصادية خصوصا.
ولكي يكون للتعليم العالي والبحث العلمي فائدة عملية في المجتمع يتوجب على الجامعة أن تنفتح على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، بمعنى أن الجامعة تنشئ شراكة حقيقية مع مؤسسات القطاعين العام والخاص، بحيث تشترك هذه المؤسسات مع الجامعة في صياغة الأهداف المرحلية للمقررات الدراسية، وفي تحديد نوعية البحوث العلمية المطلوبة واستغلال نتائجها استغلالا عمليا، وفي تنظيم الدورات التدريبية القصيرة وتأطيرها. وبطبيعة الحال تستخدم تلك المؤسسات خرجي الجامعات وتستفيد من أساتذتها بصفة مستشارين. ولكي تتوثق الشراكة وتتسع قاعدتها فإن الجامعات تكثر من عقد المؤتمرات والندوات والموائد المستديرة التي تساهم فيها قيادات الدولة والقطاع الخاص لبلورة الأهداف ووضع الخطط وإجراء التقييم والتقويم لمختلف الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وعندما يتأكد للقطاع الخاص أنه يستفيد من الجامعة في زيادة مردوديته الاقتصادية وأرباحه، فإنه يتحمس لدعم الجامعة ماديا وتمويل أبحاثها ومؤتمراتها ومشروعاتها الأخرى.


تخلف الجامعات العربية
وبإلقاء نظرة على أوضاع الجامعات العربية نجد أنها تبتعد كثيرا عن الصورة التي نقلناها عن جامعات البلاد المتقدمة ووظائفها، وأن التعليم العالي عموما يعاني مشكلات عويصة متعددة تعيقه عن أداء مهمته الأساسية المتمثلة في تنمية البلاد وترقيتها. وأهم هذه المشكلات ما يأتي:



1- محدودية التعليم العالي
إن التعليم العالي في الوطن العربي لا يزال تعليما للخاصة ولم يصبح بعد تعليما للعامة. فمعدلات الالتحاق بالتعليم العالي في الدول العربية منخفضة جدا إذا ما قورنت بمثيلاتها في الدول الأكثر نموا. فمعدل الالتحاق بالتعليم العالي عندنا عام 1997 لم يتجاوز نسبة 14.9 % في حين بلغ عندهم 61.1 %



2- تدني نوعية التعليم العالي
ومن أسباب تدني نوعية التعليم في بلادنا عدم التوسع في فتح الجامعات لاستيعاب أفواج الطلاب المتنامية ما يؤدي إلى اكتظاظ الأقسام والصفوف بسبب ضغط الطلب على التعليم العالي، الناتج عن تزايد أعداد السكان. فمعدل النمو السكاني في الدول العربية يتراوح بين 2.5 % و 3.5 % بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي لا يتجاوز 1.5 % وهذا يعني أن عدد سكان الأمة العربية يتضاعف ثلاث مرات كل عشرين سنة، وأن 60 % من السكان تقل أعمارهم عن 25 % ولكثير منهم الرغبة في ولوج التعليم العالي.
أضف إلى ذلك أن معظم أساتذتنا الجامعيين لا يتوفرون على تأهيل في طرائق التدريس. ولم نسمع أن كلية من كليات التربية في طول البلاد العربية وعرضها أقامت دورة تدريبية على هذه الطرائق واستخدام التقنيات التربوية لفائدة أعضاء الهيئة التدريسية الجامعية.
ومن ناحية أخرى، لا توجد هناك علاقة رعاية أكاديمية بين الأستاذ والطالب، ولا يطلب منه تخصيص ساعات أسبوعية محددة يستقبل فيها الطلاب الذين يحتاجون مشورته أو مساعدته في فهم ما استعصى عليهم أو مناقشة أفكارهم وبلورتها.
أما طريقة التدريس المتبعة فهي على الأغلب إملاء محاضرات يحفظها الطلاب ويعيدون كتابتها على ورقة الامتحان آخر العام الدراسي. ولا تتوفر جامعاتنا، حتى الحكومية منها، على الموارد المالية والبشرية اللازمة، وتعوزها التجهيزات والمختبرات الضرورية، ويدلنا مؤشر كلفة الطالب السنوي على العوز المادي الذي تعانيه جامعاتنا، فمعدل الإنفاق السنوي على الطالب الواحد في البلاد العربية هو 340 دولار أما في الغرب فهو 6500 دولار.
في عام 1997 كانت هناك 175 جامعة في الوطن العربي، تأسست 108 جامعات منها في فترة الخمسة عشر عاما الممتدة من 1981 إلى 1996، والأغلبية الساحقة من هذه الجامعات الجديدة تفتقر إلى التجهيزات الضرورية، "وتكاد لا تستحق أن تسمى بالجامعات. وكثير منها أنشئ لأسباب سياسية ومعظم الجامعات الخاصة منها أنشئ لغاية الربح فقط"، كما ورد في تقرير اليونسكو.


3- ثقافة التعليم السلطوية
إن التعليم العالي عندنا امتداد كيفي للتعليم الابتدائي والثانوي في ثقافته وهياكله ومناهجه وأساليبه. فثقافة التعليم عندنا تقوم على سلطوية المعلم أو الأستاذ الذي يلقي ويلقن، وسلبية التلميذ الذي يتلقى ويدون. وهذه ثقافة لا تشجع الطالب على التساؤل والتفكير، ولا تمكنه من الإبداع والابتكار والاختراع.


4- تقوقع التعليم العالي
ليست الجامعات عندنا منفتحة على محيطها الاجتماعي والاقتصادي بل منغلقة حتى على نفسها، فكل قسم من أقسامها يواصل استخدام برامجه التقليدية دون الانفتاح على بقية الأقسام العلمية وتبادل المعرفة معها. وقد أمست الهوة سحيقة بين مضامين التعليم العالي وبين متطلبات سوق العمل، فمناهجه لا تواكب التطورات السريعة في ميدان العلوم والتقنيات ولا المتغيرات المتلاحقة في تقانة المعلومات والاتصال. وعملية تغيير المناهج في الجامعات أبطأ بكثير من التحولات المتلاحقة في سوق العمل. ولهذا فإن جامعاتنا متهمة بتخريج أفواج من العاطلين من أنصاف المتعلمين.


5- اختلال التوازن الموضوعي في التعليم العالي :
تتطلب التنمية الشاملة توفير عدد كاف من العلميين والتقنيين في البلاد لا تقل نسبتهم عن 2.5 % من السكان. ولكن الإحصائيات تدلنا على أن معظم البلاد العربية لا تتوفر إلا على نسبة 0.3 %، أي أن عدد العلماء والمهندسين في كل مليون نسمة لا يتجاوز ثلاثمائة فرد، في حين أن عددهم في المجتمعات الغربية يبلغ 3600 فرد في كل مليون نسمة.
وعندما نلقي نظرة فاحصة على أعداد الطلاب المسجلين في التخصصات المختلفة يتضح لنا السبب في عدم توفر العلميين والتقنيين في سوق العمل. فعلى الرغم من أن كليات العلوم والتقنيات تشكل أكثر من نصف الكليات في جامعتنا (51.5 %)، فإن عدد طلابها يقل عن ثلث مجموع الطلاب الملتحقين في الجامعات (31.9 %). وتؤكد هذه الإحصائيات إحصائية أخرى تشير إلى أن 52.3 % من حملة البكالوريوس سنة 1995/1996 في الوطن العربي هم من المتخصصين في الآداب والإنسانيات، في حين لا يوجد سوى 9.8 % من خريجي ذلك العام الدراسي من المتخصصين في الهندسة، و 9.6 % في العلوم، و7.4 % في العلوم الطبية، و3.0 % فقط في الزراعة.
ويمكن رد الأسباب في ذلك إلى سوء التخطيط، وزيادة الطلب على التعليم العالي، وعدم توفير الموارد المادية الكافية للتوسع في التخصصات العلمية والتقنية التي تتطلب تجهيزات ومختبرات عالية التكلفة، ما يضطر المسؤولين إلى التوسع في برامج الدراسات الإنسانية والاجتماعية، وهي برامج لا تستجيب لاحتياجات سوق العمل.


7- ضالة البحث العلمي في التعليم العالي :
يعد بعضهم البحث العلمي الوظيفة الأساسية للجامعة، ويدعو إلى عدم قيام الجامعات بتدريس معلومات معروفة مسبقا، وإنما يجب أن يقتصر التدريس فيها على المعارف الجديدة غير المتوفرة خارج أسوارها، خاصة تلك المعارف التي تكتشفها داخل مختبراتها هي. فالجامعة هي الوكر الذي يفرخ المعرفة. ولكن قصور الإنفاق على الجامعات العربية يضطرها إلى توجيه مواردها المالية المحدودة إلى تشغيل الإدارة، وصرف رواتب الأساتذة والموظفين، وتسيير المرافق والخدمات الضرورية، ولا يبقى إلى النزر اليسير للبحث العلمي والمكتبات.
إن مجموع ما تنفقه البلاد العربية على البحث العلمي يبقى هامشيا ويقل كثيرا في أحسن حالاته عن 0.5 % من الناتج القومي الإجمالي في حين يخصص بعض الدول المتقدمة أكثر من 6 % من ناتجها القومي الإجمالي لإجراء البحوث العلمية. أما الدراسات التي يعدها طلبة الدراسات العليا في جامعتنا ونسميها، تجاوزا، بحوثا، فهي في معظمها مجرد تمارين نظرية تبقى رهينة رفوف المكتبة ولا علاقة لها بما يجري في قطاعات الإنتاج من قريب أو بعيد.
إن مجموع ما أنفقته الأقطار العربية على البحث العلمي عام 1996 لم يتجاوز 782 مليون دولار أو 0.14 % من الناتج القومي الإجمالي. وتأتي الأقطار العربية في آخر قائمة الدول في الإنفاق على البحث العلمي، حتى بعد مجموعة الدول الإفريقية ما وراء الصحراء التي تعد مواردها فقيرة جدا إذا ما قورنت ب "غنىّ" الدول العربية.


8- انعدام تقييم نوعية التعليم العالي وجودته :
قد تخضع الجامعات في البلاد العربية لرقابة إدارية ومالية ولكنها لا تخضع حاليا لرقابة علمية. فليس هناك تقويم لبرامجها ومناهجها وأبحاثها وتجهيزاتها من قبل مؤسسة مستقلة، كما هو الحال في الغرب. فالجامعات هناك تتمتع باستقلالها الذاتي وحريتها الأكاديمية، ولكنها في الوقت ذاته تخضع لتقييم مستمر من قبل مؤسسات مستقلة متخصصة محلية ووطنية. وهذه المؤسسات تضطلع بتقييم الجامعات وتصنفها حسب مستواها العلمي في كل تخصص من تخصصاتها، وتنشر نتائج تقييمها بوسائل الإعلام المختلفة ليطلع عليها الطلاب ليتمكنوا من اختيار الجامعة المعترف بها التي تلائم تطلعاتهم.
لم يعد للطالب الحق في ولوج التعليم العالي فحسب، وإنما أصبح من حقه كذلك معرفة مستوى الجامعة التي يروم ولوجها.


9- تدريس العلوم بلغة أجنبية :
لا تستخدم مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي اللغة العربية في تدريس العلوم والتقنيات ولا في البحث العلمي، وإنما تستخدم بدلا منها لغة المستعمر القديم، الإنجليزية في دول المشرق العربي، والفرنسية في دول المغرب العربي.
وعلى الرغم من أن الدول العربية سعت بعد استقلالها إلى التخلص من التبعية الثقافية الاستعمارية عن طريق تعريب الإدارة والتجارة والتعليم فإنها توقفت عند تعريب العلوم الأساسية والتطبيقية في التعليم العالي وظلت هذه الموضوعات تدرس بلغة المستعمر القديم. وإذا كان هنالك في السابق بصيص أخذ يتلاشى في ظل العولمة الزاحفة، إذ تبنت الجامعات التي أنشئت في بلادنا مؤخرا استعمال الإنجليزية في جميع المواد حتى الإنسانيات والاجتماعيات.
وتدل جميع البحوث العلمية الرصينة على أن الطالب الذي يتلقى تعليم باللغة الأجنبية لا يستطيع أن يستوعب المعلومات بصورة جيدة، ويصعب عليه إدماجها في منظومته وبالتالي لا يتمكن من تمثلها والإبداع بها، إضافة إلى عدم قدرته على نقل معلوماته بسهولة على المستفيدين من معارفه وخدماته.



ما العمل ؟
إن توفير الظروف الملائمة لتحقيق التنمية البشرية الشاملة يتطلب العمل في جهتين رئيسيتين: الجبهة الاجتماعية الاقتصادية والجبهة التربوية التعليمية.
في الجبهة الأولى: ينبغي قبل كل شيء التزام الجميع باحترام حقوق الإنسان بوصفه حجر الأساس في بناء حكم عادل قادر على تحقيق التنمية البشرية الشاملة. ويقتضي احترام حقوق الإنسان عدم المساس بالحريات العامة، والمساواة بين المواطنين ذكورا وإناثا لإطلاق طاقاتهم الخلاقة المبدعة، وإتاحة الفرصة للمرأة العربية للمشاركة في البناء إلى جانب صديقها الرجل. ويتطلب ذلك كذلك توفير الرص المتساوية أمام المواطنين للمبادرات الفردية وتحرير القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه إصلاح القطاع العام وتخليصه من الفساد والبيروقراطية والرشوة والمحسوبية، ودعمه بنظام قضائي مستقل نزيه شفاف يتصف بالكفاءة وسرعة الأداء، لتحفيز الاستثمار الداخلي والخارجي. وتتطلب التنمية البشرية الشاملة تمتين التعاون الاقتصادي العربي بإيجاد سوق عربية مشتركة، لأن الأسواق العربية منفردة صغيرة لا توفر قاعدة لنمو اقتصادي حيوي متنوع ومستدام. وأخيرا ينبغي الاستفادة من محاسن العولمة وتوقي مخاطرها.
وفي الجبهة التربوية التعليمية، يجب علينا أن ندرك أن أية إستراتيجية ترمي إلى تحسين نوعية التعليم وجودته، لابد أن تأخذ في النظر جميع العناصر : ماذا نعلم ؟ وكيف نعلم ؟ وما مردودية ما نعلم ؟ وأية ثقافة تعليمة نعتمد ؟ وينبغي أن لا ننظر إلى التعليم العالي بوصفه قطاعا معزولا، وإنما بوصفه نظاما فرعيا في نظام أكبر هو المجتمع الذي نعيش فيه والعالم الذي يحيط بنا.
إن القطاعين العام والخاص مدعوان لدعم الجامعة ماديا ومعنويا وتوفير التمويل اللازم لبرامجها وللبحث العليم الذي تضطلع به، وتمكينها من استقلالها الإداري وحريتها الأكاديمية. وفي مقابل ذلك يتوجب على الجامعة أن تعيد النظر في أهدافها بحيث تضع خدمة المجتمع في مقدمة أهدافها، وتعيد النظر في إدارتها بحيث تختار قياداتها وفقا لمعايير مضبوطة وتغير من هيكلتها ومناهجها وأساليبها في ضوء التطورات العلمية والتقنية، وأن تسعى إلى شراكة حقيقية مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين خارج حرمها الجامعي لخدمتهم، والاستجابة إلى احتياجاتهم، وترقية مستواهم الثقافي والمهني وزيادة مردوديتهم الاقتصادية، عن طريق البحث العلمي والتدريب المستمر والترجمة والتأليف، وأن تعمل على نشر المعرفة العلمية والتقنية وإشاعتها بين شرائح الشعب المتنوعة باللغة الوطنية التي تفهمها الأغلبية الساحقة. وهكذا تستطيع الجامعة أن تقود عملية التنمية البشرية الشاملة في البلاد.



ليست هناك تعليقات: