الجمعة، 24 يناير 2003

"لحظة ظلام" أقلقت الحداثيين من "الخطر الأصولي

"لحظة ظلام" أقلقت الحداثيين من "الخطر الأصولي"


خلق فيلم "لحظة ظلام" جدلا إعلاميا بلغ حد الضجة بين رأيين متباعدين صاحبه تصريحات نارية من كلا الطرفين، واحد يمكن وصفه بالمدافع عن "الإنفتاح الحداثي"، وأبان عن طبيعة روحه وميوله وانتماءاته، وحتى إستعداد بعض الذين تحدثوا باسمه، لمحاربة كل من سولت له نفسه التصدي لـ "الحداثة". ورد الطرف الآخر باتهام نقيضه بأنه يريد إلباس القضية لبوس الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وبالأخص أن بعض المؤيدين لعدم حذف لقطات الإثارة الجنسية من "لحظة ظلام"، قد أعلنوا الحرب مباشرة على من أسموهم بـ "المتطرفين"، بل ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك حينما قال " إذا كان المسؤولون في بلادنا عاجزين عن حماية المجتمع المغربي، وغير قادرين على فرض احترام المؤسسات والقوانين، فما عليهم إلا الانسحاب وفسح المجال لأشخاص آخرين صمموا العزم على مواجهة هذا الخطر...". كل ذلك من أجل سؤال شفوي، أو لنقل اعتراض حتى من طرف نواب أصوليين على لقطات وردت في الفيلم المذكور، إعتبروها مخلة بالآداب والأخلاق وتتعارض مع مبادئ الدولة التي ينص دستورها على الإسلام دينا للدولة والناس.

وللملاحظ أن يقول أن كل المشاكل التي يتخبط فيها الشعب المغربي قد انتهت، لم يبق إلا الترف الفكري والجدل الكتابي حول أمر لا يقبل به أغلبية الناس أن يكون على أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم إلا الذين لا يرون في ذلك غضاضة على أنفسهم، فينطبق عليه المثل الشعبي : ّإيمارة الدار على باب الدارّ"..
لقد رفض نبيل عيوش مخرج الفيلم أن يتم حذف لقطات من فيلمه، عكس رأي لجنة المراقبة التي رأت بأن بعض اللقطات مخلة بالأخلاق ولا تتماشى وروح مبادئ وأخلاق الشعب المغربي المسلم. بل والأكيد هو أن فيلم "لحظة ظلام" الذي وصفه الناقد السينمائي المصري أشرف البيومي بـ - فيلم رديء يتاجر بالحرية -، قد تعرض لانتقادات من طرف العديد من النقاد إبان عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي سيما عندما وضع نبيل عيوش مجموعة شروط لعرض فيلمه كان من أهمها عدم المساس باللقطات الجريئة للفيلم، وهو الأمر نفسه الذي أكد عليه خلال المهرجان السينمائي في مراكش مما أدى إلى منعه.
وقد شنت مجموعة من الأطراف، إعلامية وسينمائية مغربية حربا ضروسا على منع اللقطات اللاأخلاقية من الفيلم بعدما أكد وزير الاتصال في جوابه على سؤال الفريق النيابي للعدالة والتنمية في البرلمان بـ "حرص الحكومة على التصدي لكل ما يخل بالحشمة والآداب ويخدش الحياء العام بما يتنافى وقيم مجتمعنا المترسخة في التاريخ".. ومن خلال هذا التصريح يتأكد أن لجنة دعم الأفلام لن تتردد في حذف اللقطات المخلة رالآداب والأخلاق سيما من الأفلام المغربية.
لقد وصل دعم الفيلم المذكور إلى 260 مليون سنتيم يعتبرها الكثيرون أنها من أموال الشعب الذي يريد أعمالا فنية جادة تعالج قضايا اجتماعية في احترام تام للمبادئ الأخلاقية، في الوقت الذي تظل حرية المبدع السينمائي مضمونة مادامت في حدود المعقول، لكنها ليست مقدسة أو فوق العادات والسلوكات المحترمة للقيم الإجتماعية.
وبحكم أن هناك مجالا أوسع للحرية في ظل الإنفتاح والعولمة، فهذا لا يعني البتة الخروج عن اللياقة الأدبية والحشمة والوقار. وإذا كانت الحرية أيضا مضمونة بحكم قوانين حقوق الإنسان والحق في التعبير، فإن الرقابة على قيم المجتمع ضرورية ويجب أن تكون ابتداء من المبدع نفسه إذا كان يعتبر نفسه واحدا من أبناء مجتمعه.
الرقابة إذن لا تعني العودة بالمجتمع إلى العهود البائدة كما قال أحدهم، وليست أداة لضرب الديمقراطية والإنفتاح ولا الحرية ولا الحداثة حتى، وإنما هي أداة تحفظ المجتمع من المنزلقات التي يمكن أن يقع فيها من هم ديمقراطيون ومتحررون وحداثيون.
من المهاجمين أيضا من دعا الدولة بصريح العبارة إلى ضرورة أن تكون متشددة مع من "يريدون زعزعة استقرارنا بتشديد القوانين المحاربة للإرهاب" مضيفا بأنه على الأجهزة الأمنية أن ترفع من مستوى يقظتها واحتياطها قبل فوات الأوان، وطالب الديمقراطيين وأنصار الحداثة، لأن يتحركوا بكثافة لوقف ما أسماه بـ "الخطر الأصولي".
لقد بدأ هذا النداء وكأنه يريد إبعاد الفتنة عن الناس، فيما هي دعوة أكبر من الفتنة، وقانا الله منها ومن موقظيها مفضلين أن نذكر بما قاله أحمد شوقي على أن نلعن من يوقظها، لأننا في غنى عن متاهات طارئة وغير حقيقية للرهانات والتحديات المختلفة التي تحتاج التسلح بالمبادئ والأصالة والأخلاق التي قال عنها الشاعر :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا



حسن اليوسفي
24 يناير 2003

ليست هناك تعليقات: