الخميس، 29 أغسطس 2002

السياحة المغربية في الميزان

حسن اليوسفي

السياحة المغربية في الميزان
هل يحقق الاتفاق الإطار الإقلاع السياحي ؟

يعتبر تاريخ 10 يناير 2001 بمثابة الانطلاقة النوعية في المجال السياحي، وذلك بعد إقرار الاتفاق الإطار الموقع بين جميع الفرقاء والمهنيين المختصين في الصناعة السياحية في المغرب.
لقد أخذت الحكومة على عاتقها مسؤولية انتهاج سياسة سياحية جديدة الغرض الأساس منها هو تحقيق إقلاع سياحي يتماشى والمعطيات الطبيعية والثقافية والحضارية التي يتميز بها المغرب، وبالتالي جعل السياحة من الأولويات الاستراتيجية الكبرى التي يتوخى منها تحقق طفرة نوعية تعطي للاقتصاد الوطني نفسا جديدا خلال العشرية المقبلة. ولأجل ذلك، جاءت المشاريع السياحية الكبرى في حجمها وطبيعتها، والمنصوص عليها في الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار، لتؤكد على أن المغرب عاقد العزم على جعل السياحة تحتل حقا مكانة تؤهلها لكي تصير من أولوية الأولويات الوطنية، التي تقع على كل مغربي مسؤولية إنجاحها.. إن استيراتيجية السياسة الحكومية مع الفرقاء في المجال السياحي، وبالنظر إلى مجمل بنود الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار الموقع بين الحكومة والفرقاء الاقتصاديين السياحيين، ومن خلال إدراج العديد من المشاريع – إن لم تبق وهمية – تتوقع ارتفاعا للمداخيل السنوية بالعملة الصعبة من 20 إلى 80 مليار درهم، وتلتزم بخلق حوالي 600 ألف منصب شغل... لكن البوادر الأولى توحي بأن ما خطته الأفلام لازال معظمه حبرا على ورق، وبأن الالتزامات لا تلزم إلا الأوراق رغم مرور حوالي إثني عشر شهرا دون حتى أن تجتمع اللجان !.
إن الحديث عن السياحة في المغرب يفتح شهية أي مواطن لتناول هذا الملف بنهم كبير، وذلك راجع بالأساس إلى شغف المواطن الموظف البسيط، في قضاء عطلته داخل وطنه بأثمان جد مشجعة، الأمر الذي يستعصي علهي حتى في أحلامه... والأمر بطبيعة الحال هو أن جميع الأطراف – حكومة وفرقاء – لم يولوا للسياحة الداخلية أي اهتمام، واتجه الجميع صوب استجداء السائح الأجنبي بـ "الشطيح والرديح"، فاتحين الأذرع للصالح والطالح، غير عابئين بالمغربي الذي له على الدولة وعلى الفرقاء حق التمتع ببلاده التي لا يجد إليها سبيلا.
إن المعطيات التي توفرنا عليها ونحن تشتغل على هذا الملف، تزيد من التأكيد على أن قطاع السياحة في المغرب يمكن النهوض به وطنيا وحتى دوليا. لكن من أجل تحقيق ذلك، وجب تظافر الجهود لكي تصير السياحة فلاع بمثابة استراتيجية كبرى تحقق تلك القفزة الاقتصادية النوعية خلال العشرية القابلة.
حاولنا أن نتطرق في هذا الملف إلى مختلف الجوانب ذات الصلة بالموضوع، إلا أن عدم التزام بعض من اتصلنا بهم، وعدم استعداد البعض الآخر لسبب أو لآخر، جعلنا نصل إلى ما وصلنا إليه من معطيات .. ونأمل أن يكون الاتفاق الإطار منصفا للسياحة الداخلية أولا وليس ثانيا.
ملخص الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار 2001 – 2010 لسياسة سياحية جديدة
خلق لجنة خاصة بمتابعة وتفعيل بنوده ووضع مخططا عمليا على مدى 18 شهرا
الالتزام بإيجاد حوالي 600 ألف منصب شغل
رفع المداخلي السنوية بالعملة الصعبة من 20 إلى 80 مليار درهم



تقديم :
منذ الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 10 يناير 2001 في مدينة مراكش بمناسبة انعقاد الجمع الوطني للسياحة، أخذت الحكومة المغربية على عاتقها سياسة جديدة في المجال السياحي بتحديد هدف عشرة ملايين سائح في أفق سنة 2010، مع تحديد الأولويات الاستراتيجية الكبرى التي يجب وضعها من أجل الوصول لهذا الهدف وقد شكل الخطاب الملكي وثيقة رئيسية للسياسة الجديدة للسياحة.
وبالنظر إلى الاستيراتيجية التي تهدف إلى تغيير الصناعة السياحية حتى تصبح هي قاطرة النمو بالإرادة السياسية الموحدة من أجل الجهاد الاقتصادي والاجتماعي الذي تتخذه المملكة بثقة في تحديد المطمح.
إن الخطاب الملكي يضع السياحة في الأولوية الوطنية في إطار برنامج طموح برهن كل مواطن مغربي من أجل إنجاحه.
وفي هذا الإطار، فإن الحضور الفعلي لصاحب الجلالة خلال مراسيم إمضاء الاتفاق الإطار بين الحكومة والاتحاد العام للمقاولات المغربية في مدينة مراكش بتاريخ 10 يناير 2001 يفسر ضرورة الانخراط الجماعي لكل المواطنين من أجل تطوير هذا القطاع الاستيراتيجي الذي أصبح رهانا وطنيا للعقود المقبلة. إن هذا الاتفاق يلخص وجهات النظر المشتركة للأطراف المعنية في أفق تفعيل التدابير المشتركة للأطراف المعنية في أفق تفعيل التدابير المشتركة بين الفاعلين الخواص والقطاع العام، الخاص بالمجال السياحي الوطني، الأمر الذي نجم عنه التصديق على برنامج يمثابة عقد للعشرية المقبلة – 2010 - 2000 تحت عنوان السياحة : تطلع، تحدو وإرادة « une vision, un défi, une volonté »
إن الانخراط السياسي للحكومة ولمهنيي القطاع المنضويين تحت لواء الاتحاد العام للمقاولات المغربية، يضع الإجراءات الاستيراتيجية التي تسمح بوضع المغرب ضمن الوجهات السياحية المطلوبة أكثر عالميا في خانة الأولويات، وذلك في أسرع الآجال...
وبالتوقيع على هذا الاتفاق وجعل أفق 18 شهرا للإعداد الجديد، فإن الإرادة الملكية تجسيد لانطلاق ورشات العمل المرسومة دون أي تأخير، كما أن إرادة الفاعلين قوية من أجل السير في سياسة سياحية جديدة، في إطار نظرة علامة للأهداف المرسومة. وكما هو معلن عنه في البنذ 29 من الاتفاق الإطار، فإن التخطيط المرسوم للسياسة الجديدة ومن خلالها السياسة السياحية الجديدة ستعتمد أساسا على التوافق الحاصل بين الحكومة والإدارات المركزية والجهوية ومهني القطاع، في إطار شراكة بناءة ... ولأجل ذلك فقد قرر الفرقاء.
خلق لجنة المتابعة وتفعيل بنوذ الاتفاق.
إعداد اتفاق تطبيقي للاتفاق الإطار من أجل تحديد دقيق لمجموع الإجراءات التي يتضمنها الاتفاق الإطار.
تكثيف الجهود من أجل بداية العمل في مختلف العمليات والإجراءات المقرر إنهاؤها في الاتفاق الإطار مع حلول 31 دجنبر 2002. وذلك من خلال مخطط وجدولة زمنية ستحدد من طرف لجنة المتابعة حسب البنذ 32 المتعلق بالآجال.
بعد ذلك فإن المهمة الأولى الموكولة للجنة المتابعة تهتم أساسا بالسهر على تطبيق الأهداف التالية :
توضيح جميع المبادئ والتوجيهات السامية الوادة في الخطاب الملكي، وجميع البنود الواردة في الاتفاق الإطار.
تحويلها إلى برامج عمل ملموسة ومحددة.
وضع مخطط عملي موزع على حوالي 18 شهرا.
برمجة توقعات تمويل كل الدراسات الإضافية الأساسية الخاصة ببداية العمل في مختلف التدابير والإجراءات العامة.
التزامات عامة :
يتحدث الفصل الأول على أساس أن السياحة أصبحت من أولويات الاقتصاد الوطني، ولأجل ذلك فإن الفرقاء يتوقعون أن تكون نهاية العمل بهذا المشروع في أفق سنة 2010، ستكون له آثارا إيجابية على التوازنات الماكرو اقتصادية سيما إذا ما تم تحديد أهداف رئيسية للعشرية المقبلة، تلك المتمثلة في :
تحريك نمو إضافي للناتج الداخلي الخام على أساس نقطتين إلى 3 نقط في السنة.
خلق حوالي 600 ألف منصب شغل.
الرفع من المداخيل السنوية للعملة الصعبة من 20 إلى 80 مليار درهم.
ويتحدث الاتفاق الإطار على أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب أساسا :
أن يتكفل القطاع الخاص بإنجاز 80 ألف غرفة إضافية، وهذا يعني استثمار حوالي 30 مليار درهم.
العمل على ملاءمة الإمكانيات الخاصة بالنقل الجوي والبحري والبري.
تنفيذ مجموعة برامج تهم البنية التحتية واستثمارات إضافية تتكفل بها الدولة والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص.
وتبقى التكلفة الإجمالية المتوقعة للمشروع حتى أفق سنة 2010 تتراوح ما بين 80 و 90 مليار درهم ولأجل ذلك فقد قرر الفرقاء تطوير برنامج استثمار تدبيري في أفق يونيو 2002 على أساس أن تكون النسخة النهائية جاهزة مع أواخر شهر دجنبر 2002.
دينامية تجارية :
وتعتمد أساسا على خلق دينامية جديدة للتنافسية من أجل تحقيق الهدف المرسوم، وهو جعل المغرب قبلة للسياح.
ولتحقيق هذا الهدف، وضع الاتفاق الإطار مجموعة أهداف إجرائية مفصلة على شكل بنوذ وموزعة على أهداف مركزية تخص أساسا استراتيجية المنتوج، واستراتيجية الثمن والجودة، واستراتيجية احترافية المهن ثم استراتيجية الدعاية.
يتوخى الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار إنجاز مجموعة مشاريع سياحية عبر مختلف المدن المغربية ذات الطابع السياحي، ومن ذلك مشاريع تطوير مستمرة للمنتجعات السياحية الشاطئية تعتمد أساسا على خلق سنة (6) محطات سياحية شاطئية جديدة، وإعادة هيكلة منتجعات قائمة في كل من أكادير، طنجة، تطوان.. هذا دون إغفال إعادة النظر في المنتوج السياحي الحضاري والتاريخي، وتطوير السياحة الجبلية وتشجيع السياحة الداخلية.
وفي هذا الاتجاه اتفقت جميع الأطراف الموقعة على الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار على تحقيق الأهداف التالية :
التوصل قبل نهاية شهر يونيو 2002 إلى إعداد الدراسات الأولية على أساس اتخاذ الإجراءات الضرورية لاختيار المنعشين الخواص المكلفين بتطوير المواقع السياحية من خلال دفتر التحملات وذلك قبل نهاية شهر يونيو 2001.
تشجيع الاستثمارات الخارجية في المجال السياحي خصوصا بالنسبة لبعض المؤسسات ذات الصيت العالمي التي سيكون باستطاعتها الرفع من مستوى الاستقبال خلال 3 سنوات المقبلة بنسبة 50 % (5000 غرفة مبرمجة / 3000 غرفة مها قيد الإنجاز في مدينة أكادير فقط).
ومن أجل تدعيم هذه المكتسبات قرر الفرقاء اتخاذ الإجراءات التالية :
تقوية التنشيط في المدن، تحسين جودة البيئة، تحسين نوعية المدارات الحضرية للمدن السياحية وإعادة تنظيم النقط الحضرية من أجل معالجة الازدحام الناجم عن المواصلات.
كما تم الاتفاق على تحضير برنامج للتنمية الجهوية للفترة الممتدة ما بين 2002 – 2005. وذلك قبل نهاية شهر يونيو 2002. ومن هذه التعهدات.
إنعاش برنامج التنمية الخاص بالشركة الوطنية لتجهيز خليج طنجة، وذلك من أجل تجهيز منطقة سياحية مساحتها 90 هكتارا.
انطلاق برنامج لإعادة هيكلة البنية التحتية الفندقية من طرف الفندقيين.
إعادة هيكلة المنطقة الساحلية لمدينة تطوان.
كما تطرق الاتفاق التطبيقي لاتفاق الإطار إلى مسألة تنمية السياحة الداخلية، وذلك من خلال البنذ الرابع عشر الذي أكد على أن الفرقاء يرون أنه من الضروري العمل على النهوض بالسياحة الداخلية، وقد تم اتخاذ مجموعة تدابير بهذا الصدد في أفق تحقيق تنمية شاملة مع حلول سنة 2010 التي ستشهد حسب التوقعات ارتفاع نسبة 100% فيما يخص ساكنة الفنادق المصنفة التي ستشهد حوالي مليوني زائر مغربي عوض 1.2 مليون سنة 2000.
استراتيجية الثمن والجودة :
ينص الاتفاق الإطار في بنده الثامن على ضرورة تحسين العلاقة القائمة بين الثمن والجودة، وذلك باعتماد سياسة تسعيرية شاملة ملائمة للوضعية وللمنتوج المغربي، ستسمح للوصول بصفة موازنة إلى الأهداف المرسومة للارتياد والمردودية اللازمة المرتبطة بتحقيق أهداف سنة 2010.
وعليه فقد قرر الفرقاء وضع اتفاقية شراكة بين المكتب الوطني المغربي للسياحة والاتحاد العام للمقاولات المغربية من أجل تمويل ومتابعة الدراسة. كما تم الاتفاق على تحديد دفتر التحملات الخاص بدراسة الثمن.
تحرير قطاع النقل الجوي، ويدخل أيضا في خانة استراتيجية الثمن والحرص على الجودة بحيث تم التأكيد على ضرورة تحرير القطاع وخلق شركات جديدة للنقل الجوي السياحية charter، والعمل على خلق تنافسية فيما بين الشركات الدولية.
سياسة الأسعار : وهي من أولويات استراتيجية التحكم في الأسعار الموجهة للمنتوج السياحي المغربي، وذلك من أجل ضمان تنافسية حول أهم الأسواق المصدرة، وذلك إطار تنافسية دولية تتطلب "الثمن المناسب".
استراتيجية احترافية المهن :
وتهدف أساسا إلى تطهير المناخ السياحي، وبوضع قانون يأخذ طابع نظام أساسي خاص بالمؤسسات السياحية وبوكالات السفر والمرافقين.. وبخلق إطار التابعة للصناعة التقليدية. هذا إضافة إلى ضرورة وضع قوانين خاصة بالمؤسسات السياحية ويأخذ التدابير اللازمة المراقبة الجودة مع تقوية فروع التربية والتكوين وتعميم التكوين المستمر.
استراتيجية التسويق :
في هذا النطاق يشدد الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار على ضرورة إعادة تنظيم مقتضيات التسويق، وذلك بالتركيز على وضع إطار قانوني جديد للمكتب الوطني للسياحة بعيد النظر في هيكلته الداخلية وفي أنشطته.
كما تعتمد الاستراتيجية على سياسة جديدة لتسويق المنتوج السياحي المغربي ملائم النظرة الاستراتيجية سنة 2010، وذلك عن طريق تحديد ثقافة جديدة لتسويق المنتوج السياحي في الخارج.
دينامية صناعية جبائية وعقارية :
وهي دينامية المتوخى منها تحسين مردودية الاستثمار السياحي في المغرب، وقد التزمت بموجبها الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطار بخلق دينامية قوية لإنجاز 80 ألف غرفة إضافية خلال العشرية الحالية من قبل الخواص.
ومن أجل ذلك تم اعتماد استراتيجية عقارية، التزمت فيها الحكومة بإنهاء الدراسة الخاصة بتحديد وتعيين وحدات سياحية (Unité d’amenagement Touistique) هذه الدراسة التي يجب أن تكون مهيأة قبل نهاية دجنبر 2001.
وفيما يخص الاستراتيجية الجبائية، فإن البند 39 من الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار، ينص على أنه يجب إعادة تحديد أحكام جبائية منسجمة ومشجعة، وذلك بعدما أن سجل البند 19 من الاتفاق الإطار رغبة الحكومة في إعادة تجديد تعهدها في اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل أن يستفيد القطاع السياحي من إطار جبائي ملائم يأخذ بعين الاعتبار الأولوية للمصلحة الوطنية.
ومن بين الإجراءات المؤمل اتخاذها، تبسيط الضرائب المحلية المطبقة على السياحة، ومطابقتها على الصعيد الجهوي والوطني، مع اعتماد الشفافية اللازمة، هذا إلى جانب إشراك القطاع البنكي والإشراك الإيجابي للصندوق المركزي للضمان.
مجموعة إجراءات تم اعتمادها في الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار الذي وقعته الحكومة والفاعلون المهنيون في القطاع السياحي من أجل النهوض بالسياحة الوطنية في إطار سياسة جديدة تستشرف المؤسسة 2010 ليبقى التساؤل مطروحا ومشروعا حول مدى إمكانية الالتزام بهذه الإجراءات والتعهدات.

ملاحظات حول الاتفاق الإطار
لائحة طويلة بالعمليات المتأخرة وتلك التي لم يتم حتى البدء في إنجازها
لجنة المتابعة لا تعقد اجتماعاتها الشهرية وربما لم تجتمع ولو لمرة واحدة
الدراسة الخاصة بتنافسية المنتوج المغربي والمقرر إنجازها مع نهاية شهر يونيو 2002 لم تتحقق بعد.
يعيش المغرب منذ 1960 على إيقاع بعض مخططات التنمية السياحية التي كانت تعتمد على إرادة سياسية لم تكن خطوة بقوة.
والأكيد أن النشاط السياحي كان ينظر إليه من خلال العديد من المخططات التنموية على أنه قطاع ذو أولوية، ورغم كل هذا فإن المسؤولين لم يأخذوا على علاقتهم وبالجدية المطلوبة مسؤولية النهوض بهذا القطاع الحيوي، وبذلك عبر وضع استراتيجية محكمة تتوخى تحقيق تنمية متوازنة تستشرف المستقبل اعتمادا على المؤهلات السياحية الهائلة للمغرب إلا من خلال اتفاق الإطار الأخير.
ومع توقيع هذا الإتفاق، والذي أتى كثمرة لعمل شمولي يتطرق للقضايا الضرورية والمهمة بغرض تحقيق تنمية منسجمة مأمولة للسياحة الوطنية، حضر هذا التفكير الاستراتيجي الذي لا تعزوه سوى قضية واحد وهي إغفاله لمسألة الرؤية الثقافية المرتبطة بموقف المغاربة من صناعة متخصصة مصدرة (مذرة أو مريحة).
لكن رغم ذلك فإن التدخل الشخصي والميداني لصاحب الجلالة محمد السادس أعطى للفاعلين في هذا القطاع فرصة نادرة لم يحصلوا عليها من قبل.
إن التحليل الموضوعي للحالة التي نجد عليها أنفسنا اليوم مقاربة مع تنفيذ مقتضيات الاتفاق الإطار، يأتي أساسا من إرادة الفاعلين الاقتصاديين المغاربة الذين يريدون المشاركة بنجاح في هذا المغامرة الهائلة.
فبعد مرور 20 شهرا على توقيع الاتفاق الإطار (2001 – 2002) الخاص بالسياحة بين الدولة والممثلين المهنيين في شهر يناير 2001، وبعد مرور 10 أشهر على توقيع اتفاق تطبيق نفس الاتفاق الإطار، نتساءل حول إمكانية التطبيق، النجاح، العوائق والتأخيرات المسجلة لحد الآن.
فإذا كان العمل شموليا في عمومه، فإنه على أرض الواقع سيتم اختبار التطبيق الفعلي، للإجراءات الموعود بها وفي مقدمتها تلك المتعلقة بالاستيعاب الجيد لعامل الوقت الذي يجب أن تبحث فيه عن بيت القصيد.
فمن خلال قراءة متأنية لنص الاتفاف التطبيقي، هناك علامة استفهام أولية تطرح نفسها : "ألم يتعامل مختف محرري هذا الاتفاق بنبرة زائدة في نظرتهم التفاؤلية خلال تسطيرهم للأجندة التطبيقية، خصوصا وأن الفصل الرابع يؤكد على أن الأطراف ينص على أن نجاح السياسة الجديدة في المجال السياحي، يرتكز أساسا على التدابير التي ستتتخذ خلال الخمسة عشر (15) شهر ا المقبلة، وخصوصا مع الستة (6) أشهر الموالية لتاريخ التوقيع على الاتفاق.
ولكي تجسد شرعية هذا التساؤل، وبدون أن ننكر أن بعض النقط الرئيسية المتضمنة في الاتفاق الإطار، قد وضعت حيز التطبيق خلال المدة المتفق عليها مع المهنيين والفاعلين، يجب أن نتساءل عن تعهدات أساسية أخرى ونتائجها إلى اليوم :
في تقديم اتفاق التطبيق، نجد أن قد أوكل للجنة المتابعة الرئيسية، مهمة إنجاز ثلاث ورقات أساسية :
ورقة خاصة بتعهدات كل الأطراف مع جدولة زمنية للإجراءات العملية التي ستبتدئ من شهر أكتوبر 2001 إلى غاية شهر مارس 2003.
تعهد عملي لبداية الأشغال.
ورقة ذات مصداقية من أجل تطوير نظرة الفرقاء.
لحد الساعة فهذه الورقات غير موجودة، والمقلق أيضا هو أن لجنة المتابعة لا تجتمع بمعدل مرة في الشهر كما تم الاتفاق على ذلك، بل نتسائل على اجتمعت على الأقل ولو لمرة واحدة ؛
هناك ملاحظة أخرى تفرض نفسها خاصة بتشكيلة ورئاسة لجنة المتابعة.
فاعتمادا على الشكل المتعدد الاختصاصات للإنجازات المبرمجة، وتكرار تعهدات الحكومة المتضمنة في النص، إضافة إلى الأولوية الوطنية المرصودة للقطاع، كان من المنطقي أن تكون اللجنة مرؤوسة من طرف الوزير الأول نفسه، وأن تتضمن اللجنة مجموعة وزراء، بحبث لا يمكن لأي شخص غير الوزير الأول باستطاعته اتخاذ المقررات، والتدخل من أجل التحكيم وتذكير الهيئات أو الحكومة بأكملها من أجل احترام المواعيد التي اتفقت عليها الحكومة ككاملة بتعهدها بذلك أمام جلالة الملك.
ومن جهة أخرى وجب على هذه اللجنة أيضا أن تضم إضافة إلى رئيس الجامعة الوطنية للسياحة، رئيس الاتحاد العام للمقاولات المغربية نفسه.
السياحة الداخلية
لقد كان مقررا تشكيل لجنة خاصة من أجل تطوير المقترحات التي ستعرض قبل نهاية دجنبر 2001 أمام لجنة المتابعة، أيضا كان متفقا أن تنطلق حملة تحسيسية وطنية من أجل تسويق هذا المنتوج الخاص. إلا أنه وإلى اليوم، فهذه اللجنة لم تر النور بعد، وفيما يخص الحملة الوطنية، فقد ابتدأت يوم 12 غشت 2002 بمعنى قبل بضعة أسابيع فقط على انتهاء فصل الصيف، إضافة إلى أنها لا تقدم الجديد فيما يخص المنتوج.
إن مهنتي السياحة والفندقين منهم على وجه الخصوص، يطورون كما العادة عروضهم التفضلية الموجهة خصوصا إلى السوق الداخلي في وقت تشهد فيه السياحة الخارجية تدنيا ملحوظا.. (قلة الوافدين وتدن في المداخيل بالعملة الصعبة).
استراتيجية الجودة والثمن
لقد نص الفصل الخامس عشر من الاتفاق الإطار إنجاز دراسة منفصلة خاصة بتنافسية المنتوج المغربي من خلال إبراز الإيجابيات والمعوقات، غير أن هذه الدراسة لم تتحقق، إذ كان المفترض أن يقوم بها الاتحاد العام للمقاولات المغربية، والمكتب الوطني للسياحة وأن تكون ناجزة مع نهاية شهر يونيو 2002.
النقل الجوي
لقد كانت الجدولة الزمنية مشجعة بخصوص هذا الموضوع، بحيث كان من المقرر تطوير سياسة النقل الجوي قبل نهاية سنة 2001، وذلك باعتماد سياسة إرادية تطوعية تتضمن من جملة ما تتضمنه، قانون إطار خاص بالمواصلات الجوية، وذلك على غرار ما تم اعتماده في قطاع الاتصالات مع تأسيس سلطة للتنظيم الوكاية الوطنية لتقنين الاتصالات ANRT.
المواصلات البرية
بنفس الطريقة كان من المفترض أن يحظى مجال المواصلات البرية قبل شهر مارس 2002 بإطار تشريعي من أجل التغطية على الفراغ القانوني الذي يتخبط فيه هذا المجال منذ عقود وإذا افترضنا أن هذا النص جاهز، فإن الوقت المتبقى للبرلمان الحالي أن يسمح له بمناقشة هذا المشروع.
إن الاتفاق يعترف بأهمية العقار السياحي، الأمر الذي يتطلب تأطيره على المستوى القانوني.
أيضا، كان مقررا في شهر يونيو 2002، أن تنكب لجنة المتابعة بصفة خاصة على دراسة مشروع قانون خاص Time cher الأمر الذي لم ينجز.
القطاع الضريبي : تظل الضرائب المفروضة على القطاع السياحي إحدى عوائق هذا القطاع، خصوصا الضرائب المحلية.
لقد كان محررو الاتفاق الإطار واعين بتلك العوائق بحيث تعهدوا للجنة المتابعة الاستراتيجية، بتقديم خطة من أجل تبسيط وملاءمة هذه الضرائب لخصوصية القطاع السياحي، وذلك قبل حلول سنة 2003.
إذا كانت هناك إمكانية للأمل سيما قبل انصرام سنة 2002، فلنا الحق أكثر في التساؤل حول مدى احترام هذا الأجل.
ليس الغرض من هذه الإطلالة اتهام أي مسؤول وأي جهة معينة بتأخير إنجاز مشروع معين مرتبط بمجموع العمليات لبضعة أسابيع أو شهور... وفي نفس الوقت فإن الجميع واع كل الوعي بأن إنجاز أي مخطط من أي نوع، يبقى دائما معرضا لتأخيرات لبضع أسابيع.
لكن عندما تطول لائحة العمليات المتأخرة، وتلك التي لم يتم حتى البدء في إنجازها بالمرة، يصبح من اللازم علينا لفت الانتباه حتى يتسنى للإدارات العمومية والفرقاء المعنيين أخذ المبادرة الملكية مآخذ الجد لأنها فرصة تاريخية من أجل النهوض بالقطاع السياحي وترجمة التدابير المتخذة على أرض الواقع.
وعندما تكون هناك عملية من أجل هذا الحجم، فإن أهم شرط لنجاحها هو التحكم في عامل الوقت.
وفي إطار العولمة الاقتصادية، إذا لم يكن الوقت هو حليفنا الأقوى، يمكن أن يصبح هو ألد الإعداء.

ليست هناك تعليقات: