الجمعة، 22 نوفمبر 2002

حصيلة كتاب محمد الفرقاني "أزمات المغرب الثلاث"

حصيلة كتاب محمد الفرقاني "أزمات المغرب الثلاث"

مؤسسات تشريعية صورية وحكومات لا تملك سلطة القرار
وأحزاب ومنظمات مدجنة

مؤسسات عمومية مراتع للنهب وملايين الشباب بدون أمل ولاأفق

أصدر محمد الحبيب الفرقاني، العضو السابق في المكبت السياسي للاتحاد الاشتراكي، كتابا بعنوان "المغرب في أزماته الثلاث" يتضمن جملة معطيات واقعية تشتمل على حقائق ربما تغيب عن القارئ العادي، واقع المغرب في أزماته الثلاث صار يتأكد يوما بعد يوم، وكلما توالت الأيام إلا وظهر مايؤكد تلك الأزمات، وكلما تعرفنا على أزمة منها إلى وبات أكيدا أن أزمة النخبة، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو إدارية، كان لها الدور الرئيس في تهميش الشعب وجعله هدفا للنهب والاستغلال، ومعرضا للتسلط والتحكم والإهانة والفقر والاستسلام. في هذا العرض، نقدم مختصرا لما جاء ي كتاب محمد لحبيب الفرقاني من أزمات، ونذكر بعض الفقرات وإن كانت مجتزأة ، لكنها تفي بالغرض. هذا مع التذكير أن قراءة "المغرب في أزماته الثلاث" تبقى ضرورية، سيما وأن الدراسة التحليل، صادرة عن واحد ممن عاشوا ولازموا وعاينوا الطريقة التي أصبح للمغرب بها أزمات ثلاث.

الدولة وصناعة الناس على نموذجيها وإرادتها

ينطلق الفرقاني من خلال تقديمه المعنون بـ أزمة دولة.. من البداية حيث يؤكد أن الأزمة أيا كانت، أزمة فرد أو جماعة أو فئة أو مجتمع أو دولة، كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لا تأتي فجأة، وإنما تتشكل بأجزائها بفعل عوامل كثيرة متداخلة. وعلى هذا المنوال، يقول الفرقاني، إن أزمتنا الحالية التي تفترس المغرب تغتال مطامحه في الحاضر، وتعتقل إرادته وتصادرانتظاراته وطموحاته في المستقبل، مؤكدا أن جذور الأزمة ترسخت منذ أربعين سنة مضت في صالونات وموائد إكس ليبان (55/56) بحيث شارك في تلك الطبخة حسب الفرقاني لفيف من العملاء والأعوان المتفرنسين، وبمباركة وتزكية فئة من القادة الوطنيين والزعماء السياسيين، الأمر الذي جاء باستقلال – حسب الفرقاني -، منذ البداية كسيحا مفقوء العينين (...) فكانت النتيجة بتفاقم الاختلالات في جميع المناحي وبترسيخ ظواهر الاستلاب الفكري والثقافي واللغوي ما أدى إلى مسح الهوية الوطنية وتجفيف القيم الروحية والدينية، الأمر الذي ساعد الدولة ومكنها حسب الفرقاني، من ممارسة دورها المباشر في "صناعة الناس على نموذجها وإرادتها"، بل وكيفت عقولهم وعواطفهم وسلوكاتهم، وكذلك رؤاهم واختياراتهم.


الحبيب الفرقاني والأزمة الوطنية الأولى
الدستور


لقد أطلق الحبيب الفرقاني على الأستاذ الفرنسي ّّ"دوفيرجيّّ" أب الدستور المغربي وذلك لأنه هو الذي أنجز والفريق الفرنسي أو ل دستور مغربي.. الدستور "المفرنس" الذي يقول الفرقاني بخصوصه أنه جاء متضمنا في روحه وموارده ومعناه، إقرار الملكية المخزنية بسلطاتها التقليدية المطلقة، كما يضيف الفرقاني بأنه قد جاءت الممارسة والتطبيق الفعلي للدستور الملكي بلورة للمقصد والاتجاه، وتأكيدا للمضمون الحقيقي والمقصد الملكي من الدستور الممنوح.
يؤكد الفرقاني أن استفتاء 12 ماي1962 الخاص بالدستور، أريد له أن يكون في صالح التصويت لصالح الدستور رغم المعارضة القوية التي كانت آنذاك من طرف فئة عريضة من الشعب المؤطر من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنئذ. ولاستكمال ما أسماه الفرقاني بـ "مسلسل الصورة"، فقد تم تكوين إطار سياسي لمساندة الدستور والدفاع عنه، وبالتالي مواجهة الغاضبين، الإطار الذي أطلق عليه اسم جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، الذي انخرط في حملة لمساندة الدستور في حملة الاستفتاء.
يقول الفرقاني بأن التعديلات الدستورية قد توالت بحيث لم تغير شيئا في الجوهر والمضمون والاتجاه، اللهم بعض "التنميقات الصطحية" واعتبر الفرقاني بأن البلاد قد ظلت وشعبها يدوران طيلة أربعين سنة فيما أسماه بـ "مستنقع من تزييفات الحياة".
ومنذ الدستور الأول لسنة 1962 يقول الفرقاني ، لم يشهد الدستور المغربي إلا أربع تعديلات بدون أن تغير أي شيء في جوهره أو مضمونه. ووصولا إلى الدستور الحالي الذي يقول عنه الفرقاني، أنه أفرز بطول المراكمة والممارسة، ركائم من الأزمات المتكومة : سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وروحية وقيمية... الأمر الذي كان تبعا له ونتيجة له أن غرقت البلاد في مجموع أزمات ومركب تعقيدات وانحرافات وعلاقات فردية تسلطية، وأخيرا - يضيف - بلاعبات واختلاسات وتلصصات ضخمة بعشرات الملايير، ليخلص محمد الحبيب الفرقاني إلى نتيجة واحدة هي أن الدستور الحالي هو مصدر كل الأزمات، ومنبع كل الانحرافات ومرجع كل الإساءات التي تمت في حق الوطن والمواطنين.
فما هي الحصيلة إذا بالنسبة للفرقاني؟ مؤسسات تشريعية صورية مزيفة، حكومات لا تملك سلطة القرار، مؤسسات عمومية مراتع للنهب والمضاربات والاستغلال والاختلاسات، أحزاب ومنظمات تم استيعابها جميعا ثم تدجينها وإدماجها، ملايين من الشباب خربها تعليم مبخوس وهي الآن بدون أمل ولا أفق.


...والعـــلاج

يمكن العلاج حسب ذ. الفرقاني أولا في مراجعة جذرية للدستور تشمل كل بنوده.. مراجعة في اتجاه التغيير والتقويم وليس في التعديل والترقيع.
تغيير يفتح آفاقا جديدة، يشيد صيغة جديدة متطورة ومتحررة للدولة، ويفتح آفاقا جديدة للنمو والانطلاق، ويوفر وسائل وآليات تنظيمية وسياسية وفكرية لردم الهوة السحيقة التي ما انفكت تفصل الدولة عن المجتمع والمجتمع عن الدولة. تغيير يكون للشعب فيه حضوة.. تغيير يقر بالتوازن السياسي والقانوني بين الدولة والمجتمع، ويكفل بذلك التوازن الضروري بين السلطات.. تغيير يفصل بين هذه السلطات ويحد من تداخلها ويقر الحدود بين الاختصاصات والمسؤوليات.. تغيير يقرر ويحدد للحكومة سلطتها الحقيقية ونفوذها الفاعل.. تغيير يقر سلطة الشعب.. تغيير يضع حدا للحكم الفردي ويحرر من كل التقاليد والطقوس والمظاهر الشكلية، كل ذلك يقول الفرقاني، في إطار ملكية دستورية ديمقراطية تمارس السيادة الوطنية العليا، تسود وتراقب وتوجه ولا تحكم.
هذا هو التغيير المنشود الذي يأمل ونطمح الحبيب الفرقاني أن تنفتح الأبواب الموصدة في وجهه، وهذا هو الأمل والطموح السجين كما أسماه الفرقاني.
فقد وضع الفرقاني خطوات عملية لمراجعة ولتغيير الدستور الحالي لخصها في المقترحات التالية :
تأسيس مجلس وطني لإعداد الدستور، وتمثيلية أعضائه تكون من كل فئات وقطاعات وفعاليات وكفاءات المجتمع مع ذوي الاختصاص، الحرية والاستقلالية التامة لهذا المجلس عن أية جهة مؤثرة، ضرورة تحديد المبادئ والأسس والمرامي والأهداف ثم تقديم النص النهائي والتقرير إلى الملك لتأتي في الأخير مرحلة إجراء الاستفتاء الشعبي ليتم إقراره شعبيا، ثم تأتي مرحلة التطبيق والالتزام الجماعي بنصوصه وحدوده.



...وصمت مريب للأحزاب

لم يستثن الحبيب الفرقاني، وهو العارف بخبايا الأحزاب السياسية،دور هذه الأخيرة في المزيد من تأزيم الوضع، ويخص الفرقاني بالذكر الأحزاب المتمثلة في الكتلة التي يصفها بأنها تخاذلت عن دورها وتراجعت عما كانت تطالب به بمجرد ما أصبحت في موقعها الجديد حيث ترابط حاليا على مقاعد الحكومة.
لقد تراجعت الكتلة الوطنية يقول الفرقاني، عن مقترحاتها الهامة حول تعديلات الدستور المتوالية لسنتي (92 و96) والتي يؤكد الفرقاني أنه لم يعتبر منها ويؤخذ إلا القليل التافه أو المقلوب: (إلغاء الثلث الذي يعين من البرلمان وتعويضه ببرلمان آخر، أي بغرفة ثانية).
كما يعيب الحبيب الفرقاني على أحزاب الكتلة عدم مطالبتها بمراجعة شاملة في اتجاه التغيير الجوهري.
لكن ما يؤكده الفرقاني هو أن الأحزاب المذكورة لمتعد حاضرة في الوطن كله،غائبة عن قضاياه المصيرية الكبرى إلا بالندوات والمؤتمرات والمظهريات والأسفار والتصريحات الطنانة...
إن الأحزاب الحالية، يقول الفرقاني، تلتزم الصمت الكامل والمربح حول قضية الدستور، ولكنها بالمقابل، يضيف، "تحمل بنادير الإشادة، وتضرب قراقيش بترنيم أمجاد الدستور، وأنغام فضائل الزمان، بغير حدود.. ولا استحياء". مذكر بأن الهم الأساسي البادي على وجوه الأحزاب هو الوصول إلى مرحلة جديدة لمواصلة التاريخ الذي بدؤوه ومباشرة المهام التي لم تنجز.



الأزمة الثانية نخبة بست أزمات

يحدد محمد الحبيب الفرقاني في الفصل الثاني الأزمة الوطنية الثانية في النخبة المغربية، ويقول بأن النخبة في أزمة وطنية تنغرس في كل شرايين وأعضاء الجسم الوطني، وهي بذلك تمثل ثاني أزمة بعد الدستور. هذه النخبة التي يقول عنها الفرقاني بأنها طبعت الحياة الوطنية برمتها مع السنين والعقود برؤاها ومفاهيمها، وأيضا بمصالحها ومطامحها وأهدافها الخاصة.. نخبة متنوعة تتموقع في الجسم المغربي كله دولة ومجتما بكل مناحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية، هذه الأخيرة التي قال عنها الفرقاني بأن دورها كان حاسما في تشكيل الاختيارات والمنزلقات السياسية والاقتصادية والثقافية الكبرى للدولة وللمجتمع.
يؤاخذ الحبيب الفرقاني على النخبة استلابها وانفصالها عن الشعب، واندماجها وذوبانها في الدولة. ومن تم عملها من داخل مراكز القرار على سلب هوية الشعب المغربي عبر فرنسة البلاد. ومقاومة التعريب، وربط المغرب بالفرانكفونية، والزج بالتعليم إلى كارثة مأساوية، وسجن المغرب في التعبئة سياسيا وماليا واقتصاديا للمؤسسات المالية العالمية، ورهن البلاد ومصالحها بالديون، وتكديس الثروات الخامة للمحظوظين.. كل ذلك، يضيف الفرقاني، مقابل توسيع دائرة الفقر والفقراء، شساعة الفوارق الطبقية، تركيز الارتشاء، توسيع دائرة الاختلالات والسرقات بالملايير، ثم تخريب القيم الوطنية والروحية وتنميط الأخلاق والقيم تحت شعار التقدم والحداثة، والعمل على إهمال قضايا الدين الإسلامي، دين الشعب وعقيدته، ليكون بذلك الانفصال التام عن الشعب وعن هموم الشعب، وبالتالي ذوبان هذه النخبة في مفاهيم ورؤى الدولة، سيما النخبة السياسية منها التي يقول عنها الفرقاني بأنها ارتمت على أعتاب الحكم بحيث وصف الأحزاب كلها، القديمة والجديدة، كلها سواء في التجارة والتزلف والانطباح.


وقاد اليوسفي المرحلة الجديدة إلى : التفكك والضياع

يؤكد الفرقاني وهو الذي يتحدث عن طريق المشاهدة والمعاينة من الداخل، أن ترشيح اليوسفي للمرحةالجديدة، جاء بعدما كان مهيأ نفسيا وسياسيا وشخصيا لما أسماه الفرقاني "الهرولة والاحتضان" والاندفاع الشخصي والساذج حيث كانت النتيجة تأسيس ما يسمى بحكومة التناوب..
كما يؤكد الفرقاني أنه بعدما تم التأكد من انتهاء دور الأحزاب الإدارية، عملت السلطة على تدجين أحزاب الكتلة من أجل احتوائها هي الأخرى وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي فكان دور اليوسفي إيجابيا في هذه المرحلة.ويقول الفرقاني : "ليس عبثا أن يعين اليوسفي كوزير أول، والقصد هو توريط هذا الحزب، حزبه بالذات وانتزاع رصيده النضالي وتوسيخه وجرتلته بالإلقاء به في النهاية شطية مرمية فقدت مكانتها وشرويطة وسخة متورطة تورطا مجانيا رخيصا ووضيعا، وهو ما كان بالفعل، انتهى قول الفرقاني.
وفي سرده وتوضيحه لحقيقةما أسماه الفرقاني بحقيقة المسار والوقائع الخاصة بالاتحاد الاشتراكي قدم العضو السابق في المكتب السياسي للاتحاد، ست ملاحظات تلخصها في العناوين الرئيسية التالية :
§ لو كان الحزب موجودا حقا لتمت محاكمة اليوسفي حزبيا
§ لتحقيق التحول كان يلزم حزبيا مؤتمر وطني
§ حكومة وتصريح.. دون علم الحزب
§ غضب وجمود وتفكك
§ مؤتمر الغش والتدليس وانشقاق الاتحاد
§ صحافة انقلبت هرجا وملقا.. وسخافة


للحديث بقية

أنهى الحبيب الفرقاني فصله الثاني بالحديث عن النخبة المثقفة المتمثلة في الكتاب والأدباء مبديا إيجابياتها وسلبياتها مع مجموعة ملاحظات عامة حول الإنتاج الثقافي في المغرب الذي يقول عنه الفرقاني بأنه يغلب عليه أو على معظمه عموما الاتجاه النظري دون الغوص في ما يتخبط فيه الشعب من مشاكل موبقة ومآسي محرقة. إضافة إلى سيادة النظرة النخبوية . وإلى اللقاء في انتظار الجزء الثاني من كتاب المغرب في أزماته الثلاث.


حسن اليوسفي
22 نونبر 2002

ليست هناك تعليقات: