الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

تضامنا مع النيني.. تضامنا مع الحق في الإخبار

لا أخفي أنه عندما كان يجلس بجانبي الزميل رشيد نيني وأنا أقدم الحلقات الثلاث الأولى من برنامج "فساد تحت المجهر" الذي كان يُبث على أمواج إذاعة كازا ف – م ومجموع إذاعات م – ف – م ، قُلت في نفسي حينها أننا فعلا بدأنا نستنشق نسائم حرية الرأي والتعبير في زمن التغيير، بل وبدأت قاناعات التغيير تسيطر على تفكيري بفعل الجرأة والصراحة التي كنا نخوض بهما نقاشاتنا في البرنامج المباشر دون أية قيود تُذكر.. بل و صارت تتولد لدي قناعة راسخة بأن التغيير الذي كنا ننشُده في الأيام الخوالي، بات أمرا واقعا وبدأت أحضر نفسي من خلال الاطلاع ودراسة مجموعة من الملفات التي كُنت أنوي فتحها مباشرة على الأثير مع الزميل رشيد نيني، لكي نستفيض فيها ونساهم جميعا في "محاربة الفساد"..
لكن، ما هي إلا هُنيهة من الوقت حتى تبخرت آمالي وظهرت لي بوادر التغيير تلك التي كُنت أظنها، بدت لي على أنها سراب وأني كُنت أُمني نفسي بأماني ليس إلا، فكان خبر اعتقال زميلي رشيد وأنا أحضر لحلقة جديدة من "فساد تحت المجهر"، بمثابة الصدمة التي جعلتني أنظر لمن حولي وأنا أطرح السؤال: هل فعلا تم اعتقاله؟ وهل أكيد أن التهم الموجهة إليه سيحاكم عليها بغير قانون الصحافة؟.. وعندما حضرت جلسات المحاكمة الثلاث الأولى، ورأيت ما رأيت وسمعت ما سمعت، من قبيل دعوة السيد النائب العام جموع هيأة الدفاع بأن يخرجوا له أية وثيقة تؤكد على أن هناك "تعليمات"، حينها قلت لنفسي تبا لك إذ بدأت تنساقين وراء وهم اسمه "التغيير".. فرجعت أدراجي وأنا أفكر في إتمام حلقات البرنامج الإذاعي إلى أن تصدر تعليمات ضدا على ذلك..
لم تصدر التعليمات ولكن ما وقع كان أسوء من التعليمات، إنه خوف وتهرب الضيوف من حضور البرنامج من أجل مناقشة ملفات الفساد، فكانت آخر حلقة أقدمها لوحدي، بحيث كان ضيوفي مستمعون شغوفون، يتصلون عبر الهاتف للحديث عبر الأثير مباشرة، يؤكدون على ضرورة محاربة الفساد، وعلى ضرورة إعطاء الإشارات الإيجابية لطمأنة الرأي العام..
لقد صدر الحكم الابتدائي والاستئنافي مُدينا الزميل رشيد نيني، والكل صار الآن يتطلع لما ستُفضي إليه مشاورات النقض، في ملف أريد له أن يكون سياسيا بامتياز، ملف أريد من خلاله تركيع كل الأقلام وكل الأصوات التي تدعو إلى الوقوف وتشكيل جبهة ضد الفساد الذي يحطم مجتمعنا، الفساد المستشري الذي ينخر اقتصادنا، الفساد الذي يهدد سياستنا ، الفساد المستشري الذي يتحكم فيه ساساتنا، الفساد الموجود في كل مناحي حياتنا.
رُب قائل يقول إننا الآن خطونا خطوات عملاقة في مجال التغيير، ورُب قائل يقول إن لنا من هامش حرية الرأي والتعبير ما يجعلنا نقف في مصاف الديمقراطيات العريقة التي تحترم نفسها، بل ورُب آخر يقول إننا صرنا نتحدث ونكتب ونجتمع ولا مُعيق لحركاتنا ولا مُحصي لسكناتنا.. فهل هذه هي الحقيقة؟
الكل الآن ينشُدُ التغيير الحقيقي، ولا حديث في الشارع هذه الأيام بعد الدستورالجديد، سوى عن القوانين والمراسيم وإجراءات العملية الانتخابية وما يستتبعها من إفراز لنُخب سياسية جديدة ستُحقق التغيير الذي يحلم به المواطن العادي المكلوم.. وبدأت إرهاصات طمأنة المواطن من أجل دفعه إلى المشاركة الإيجابية في الاستحقاقات المقبلة، وإشراكه في العملية السياسية شيبا وشبابا، نساء ورجالا.. لكن، أليس من طارح لسؤال من قبيل هل فعلا الدولة وأجهزتها وساساتها، ماضون جميعا في قلب الموازين وبالتالي الخروج من عنق الزجاجة؟ مجرد سؤال ليس إلا..
إن من ضرورات وحتمية إقناع مواطن اليوم، العمل على تقديم النموذج الأمثل للإقناع بأن هناك تغييرا فعليا يلوح في الأفق. هذا التغيير الذي لن يكون سوى بمحاربة الفساد والمفسدين في كل المجالات، بتقديم المفسدين إلى القضاء النزيه المستقل ليقول كلمته دون "تعليمات"..
فكيف بتقارير رسمية تتحدث عن وجود فساد في مختلف المؤسسات والأجهزة والأروقة والإدارات والهيآت، ولا حياة لمن تُنادي؟ كيف لمؤسسة ضيعت ملايير المغاربة والمسؤولون عنها ينعمون بالحرية يصولون ويجولون، وصحافي لم يكتب سوى ما هو موجود يُحاكم خلف القضبان؟ كيف لتقرير المجلس الأعلى للحسابات يحتوي على مآت الخروقات ولا مُحرك لسكناته؟ كيف لعمل لجان تحقيق برلمانية تركن في الرفوف، وكيف نطلب من مُواطن اليوم المشاركة في الحياة السياسية وهو يرى ويعلم جيدا أن التغيير لا بد وأن يأتي من فوق بإشارات واضحة عملية تعيد الأمل لمغاربة اليوم؟
إن متابعة رشيد نيني بالقانون الجنائي دون قانون الصحافة في حالة ما تبث خرق أحد فصوله، إجراء تعسفي لا يتماشا مع ما نطمح إليح من تغيير، إجراء يعطي الانطباع الأكيد بأن لوبيات الفساد حاضرة للدفاع عن مصالحها، وبأن الفساد الذي نريد مُحاربته صار أخطبوطا كبيرا يلف كل ما من شأنه أن يُعكر عليه الحياة..
يجب على الجميع أخذ العبرة مما يحدث من تغييرات جوهرية جراء الربيع العربي، لا نريد خريفا ولا شتاء ولا صيفا يقض مضاجع المواطن المغربي، نريد حياة أفضل بتغيير حقيقي وبحلول واقعية لا حلول ترقيعية.

حسن اليوسفي المغاري
مدير البث والبرمجة لمجموع إذاعات م.ف.م

ليست هناك تعليقات: