قبل البدء..
منذ مدة والشارع العربي والإسلامي ينتظر من أنظمته الرجوع إلى جادة الصواب والإقلاع عن محاباة الاستعمار القديم والجديد.. ومنذ مدة والشعوب العربية والإسلامية تتمنى استنهاض همم حكامها القابعين وراء أسوار الرفاهية، الجالسين على عروش خاوية إلا من وهن الدنيا..
طال الأمد، وتجددت خيبات الأمل، وظلت الأنظمة راكدة جامدة لا تتحرك إلا لقمع أبنائها.. وطال الانتظار وتكاثرت خيبات الأمل، ولم يستفيقوا من سباتهم العميق رغم تعاظم الأحداث وتفاقمها، حتى بات من المستحيل التعويل على من قضى نحبه وإن كان حيا يرزق.
و بعد..
لقاءات واجتماعات ومؤتمرات وقمم.. كلمات وخطب وقرارات لم تفعل.. هرج ومرج عند العرب، وبرامج للتقسيم تدبج، وقول وعمل عند أعداء العرب !. قمم عربية، وأخرى إسـلامية وشعوب تقتل.. تذبح.. على مرأى ومسمع كل العرب وكل المسلمين، وليس هناك من يحرك ساكنا. وحتى التنديد باللفظ الخجول، كان حوله كلام وكلام.. ومن أجل حفظ ما تبقى من ماء الوجه، تمت الدعوة لعقد مؤتمر جديد سرعان ما انهار قبل بدايته، لتتأكد مرة أخرى قولة إن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا .
الفشل تلو الفشل..
لقد تتبعنا مهزلة تونس الأخيرة، وإن كانت في واقع الأمر صفعة موجهة من جهات معينة لكل الأنظمة العربية، فهي من جهة أخرى، صفعة قد تكون إيجابية إذا ما تم الأخذ بالأسباب والتفكير بجدية أكثر في واقع بات يهدد الجميع. منذ أربعين عاما والعرب والمسلمون يجتمعون، من قمة 1946 في مصر إلى القمة "التونمصرية" لسنة 2004 التي لم تنعقد بعد .. لم تكن النتائج إلا كلاما معسولا وقرارات لو تحدثت رفوف جامعة الدول العربية عنها لقالت الشيء الكثير.قمم عادية وأخرى طارئة، جلها كانت تمثل العجز الرسمي العربي والإسلامي، أمام أحداث وتحديات جسام كان الالتحام فيها سيشكل الجسد الواحد و الوحيد. الكل صار يتحدث عن الفشل إلا الأنظمة ! والكل بات يعرف حقيقة الفشل تلو الفشل الذي يلاحق كل المؤتمرات، بل ويتنبأ بالفشل بمجرد ذكر كلمة "قمة" أو "مؤتمر"..فبعد أربعين سنة مضت والشعوب تتابع مهازل اللقاءات العربية الإسلامية التي لا تنتهي في أحسن الأحوال إلا بكلمات الشجب، و ببعض الوعود التي يتم التنازل عنها بمجرد الخروج من قاعات المؤتمرات !بل وصرنا نسمع في السر والعلن عن إملاءات ومراجعات ومذكرات أمريكية كانت توجه للقمم العربية، وكانت تملي إملاءاتها التي ستُدبج على بيانات تلك المؤتمرات العربية.. ومنذ اللاءات الثلاث المشهورة الصادرة في بيان الخرطوم سنة 1967: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل، اللاءات التي كانت بمثابة سابقة تاريخية في البيانات العربية التي جاءت على إثر العدوان الإسرائيلي، لم نعد نسمع بعد ذلك سوى ما يرضي ويثلج صدور الأعداء، ويزيد من تعميق الإحباط في نفس كل مسلم وعربي، كان أبرزها التنازل عن ذكر كلمة و مشروعية الجهاد ضمن القرارات العربية !.لقد تم التوقيع على معاهدات تلو المعاهدات مع الطرف الصهيوني، وعقدت لقاءات عربية إسرائيلية، وتم الاعتراف بالكيان الصهيوني من خلال كامب ديفيد الشهيرة.. ثم مدريد، و أوسلو، و وادي عربة ( وآي ريــفر ). وتوجت اللقاءات الثنائية العربية الإسرائيلية أثناء كل هذه المعاهدات، بمبادرات سميت لـ" التسوية" كانت آخرها مبادرة خارطة الطريق. كما صرنا نسمع بفتح مكاتب الاتصال والمكاتب التجارية والسفارات الإسرائيلية في العواصم العربية "الإسلامية"، في مصر و المغرب وتونس وموريتانيا والأردن وقطر، - وما خفي كان أعظم - ضدا على إرادة الشعوب..وتأكد الفشل بتقديم العرب التنازلات تلو التنازلات للطرف الصهيوني، دون أي دعم للشعب الفلسطيني. فكانت النتائج المعلومة منذ 1948 وحرب 1967 مرورا بـ1973 والنكبات تلو النكبات، وصولا إلى الاجتياحات والمجازر الإسرائيلية التي يذهب ضحيتها يوميا شهداء يؤدون ثمن العجز الرسمي العربي.وانضاف الفشل إلى الفشل حين تم اجتياح العراق من طرف قوات استعمارية غربية بدعوى امتلاكه للسلاح النووي.. فتآمر العرب على العرب عندما أجازوا العدوان الأجنبي على العراق خلال قمة مصر لسنة 1990، وحينما شاركوا رسميا بشتى أنواع الدعم في الاجتياح الثاني الذي يعيش الشعب العراقي مآسيه اليوم.وتأكد الفشل أخيرا حينما عجز النظام الرسمي العربي والإسلامي أمام التصدي للغطرسة الصهيونية التي تسلب الأراضي، وتهود المقدسات، وتغتال الزعماء، وتسيج أرض الإسراء والمعراج بسور الفصل الصهيوني.. لعل قائمة الفشل تطول إذا ما أضفنا خيبات الأمل العربية والإسلامية أمام فيتوهات ( الفيـتو ) الولايات المتحدة الأمريكية، كلما تعلق الأمر بطلب استصدار قرار أممي يدين إجرام الصهاينة..لكن تبقى الخيبة العظمى بالنسبة للعرب وللمسلمين هي الاستمرار في التشتت والتشرذم والمزيد من التشبث بالزعامة الخالدة لهذه الأنظمة ولو على حساب الشعوب، بل والمساهمة في صنع "سايس بيكو" ثانية في المنطقة العربية، أمام تكتل الغرب في تجمعات و أحلاف إقليمية ودولية ( الاتحاد الأوربي، حلف الناتو )، وأمام محاولات بناء عالم جديد مبني على مكافحة الإسلام المغلفة بغلاف مكافحة الإرهاب ! { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
تونس، الاستثناء..
قمة تونس تأجلت، والسبب أدرجته تونس ضمن مسائل " السيادة " ! وبالتالي صار النقاش حول الأسباب من الأمور السيادية التي يحرم القانون الدولي التدخل فيها.. إلا أن الوقائع ما فتئت تؤكد أن تونس سبق أن أعلنت منذ شهرين عدم استعدادها لعقد قمة عربية على أراضيها، ورجعت بعد ذلك لتؤكد استعدادها..بعد ذلك زار الرئيس التونسي الولايات المتحدة الأمريكية وتباحث مع رئيسها بـوش، والحديث بالطبع لا يمكن أن يتجاوز القمة العربية والقرارات – وإن كانت مجرد شعارات– التي من الممكن أن تخرج عن المؤتمر، ويمكن أن تشوش على الفترة الانتخابية الأمريكية والتي يسعى فيها بـوش للظفر بولاية ثانية.. فهلا يحق لنا أن نتساءل عن أن طلب تأجيل الاجتماع العربي، ولو من باب الإرباك، كان أمريكيا ؟ خصوصا وأن الأسباب الحقيقية لتأجيل القمة كانت تتمثل أساسا في جديد القضية الفلسطينية ودخول إسرائيل إلى المزيد من العمق الفلسطيني، ببنائها للجدار الفاصل، واغتيالها الشيخ الشهيد أحمد ياسين.. وقضية العراق واحتلاله من طرف الولايات المتحدة وحليفتها المملكة المتحدة.. ثم مشروع الشرق الأوسط الكبير والإصلاحات المفروضة على الأنظمة العربية من طرف السيد الأمريكي..إنه الواقع الذي يفضح عجز النظام العربي الرسمي.
الخنوع والخضوع للسيد الأمريكي..
لقد بدا جليا أن الأنظمة العربية كانت لا تأتمر إلا بأوامر سيد العالم الآن، وتأكد في الآونة الأخيرة بأن جل المؤتمرات العربية تكون الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة فيها بآرائها واقتراحاتها وبمذكراتها السرية والعلنية.. كما ظهر أن تعامل أنظمتنا مع هذا السيد، بالطريقة المعروفة وعلى حساب شعوبها، ما هو في الأساس إلا تأكيد على التشبث بدفتي الحكم لهم وللأنجال الكرام. و لقد عودتنا القمم العربية على أن لا تكون سوى مكان تجمع للنظام العربي الرسمي، للشجب والتنديد أحيانا، و أحيانا أخرى للخروج بقرارات من مثل مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لحماية الشعب الفلسطيني ! .ولذلك، فإن مثل هذا الوضع لا يمكنه أن يفسح المجال لاتخاذ أي قرار فعلي لصالح الشعوب العربية والإسلامية إلا إذا أخذ الله بيد هذه الأمة.. ويبقى الأمل كل الأمل معقود على الشعوب بالدرجة الأولى، إذ لا خير يرجى من تغيير يأتي من الخارج.
تاريخ النشر : 05/04/2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق