الخميس، 24 أكتوبر 2002

في أفق تعيين حكومة العهد الجديد..الوزراء والسيادة والتغيير

كان الحديث قبيل إجراء اننتخابات 27 شتنبر الماضي، يتجه نحو التفكير في ضرورة تشكيل حكومة جديدة برئاسة وزير أول من الأغلبية التي تتصدر نتائج الانتخابات. إلا أن الصراعات المعلنة بين حزبي الاستقلا ل والاتحاد الاشتراكي حول كرسي الوزير الأول، جعل الأجهزة الرسمية العليا تنحو منحى آخر غير الذي كانت الآمال معلقة عليه، وتم اختيار شخصية تيقنوقراطية كانت تشغل أيضا منصب وزير للداخلية، وعلى الرغم من أن الأمر يعتبر دستوريا، إلا أن العديد رأى فيه انتكاسة للديمقراطية وعودة إلى سنوات خلت كانت فيها الأمور تمشي على حسب أمزجة جهات مقررة.
الآن وقد حسم الآمر الذي كان فيه الحزبان العريقان يتصارعان حوله، بدأت تطرح أسئلة أخرى من قبيل التغيير الحقيقي المنشود، ومسألة وزراء السيادة والمسألة الدستورية.. مما أصبح يتطلب وقفة تأملية في الوضع السياسي عموما وفي الإصلاحات الدستورية المطلوبة منه على وجه الخصوص.

الوزراء والعهد الجديد
إذا كانت كلمة وزير مشتقة في اللغة من الوزر، وهو ما يعني العبء والثقل، فإن التهافت الحاصل من قبل من يريدون الاستوزار، لا يعني بالضرورة أنهم يريدون تحمل ذاك العبء وذاك الثقل من أجل المصلحة العامة فقط، لأن الأصل في الشيء هو أن يدعو الإنسان ويتمنى ألا يُبتلى بالمسؤولية مادامت عبئا وثقلا يتحمله الإنسان ويحاسب عليه في دنياه وفي آخرته.. ولكن الوازع الأول في ذلك هو فتح باب عريض لقضاء المآرب الشخصية والعائلية والطائفية.. إلا من رحم بك. وهذا ما كان الأمر عليه منذ مدة خبرنا فيها من استوزر وصار ذا جاه ومال ونفوذ، ولم يحظ منهم الشأن العام إلا بالنزر القليل.
لقد كان التنظيم الوزاري في المغرب موجودا منذ عهد الدولة الإدريسية حيث كانت مهمة الوزير مساعدة السلطان في تسيير أمور الرعية، وبالنظر إلى التطور الحاصل في مسألة الاستوزار، فإن التنظيم الوزاري في عهد الاستقلال أعطى للوزراء من خلال العهد الملكي في عهد الملك محمد الخامس، أنهم يستمدون سلطتهم من الملك، وأنهم مسؤولون أمام الملك.
اليوم، ونحن أمام عهد جديد صار للحديث عن اختيار وزراء من فئات جديدة تتميرز بالتخصص أكثر منه من السياسة السياسوية، بمعنى أن اختيار السيد إدريس جطو وزيرا أول وهو من رجال المال والأعمال، لم يكن اعتباطيا، وكذا تكليفه بمزاولة مهامه الأولى والمتمثلة في المشاورات من أجل اختيار الوزراء الذين سيشكلون حكومة العهد الجديد، ينمو في اتجاه اختيار وزراء سياسيين متحزبين تيقنوقراط، لهم إلمام بشؤون الوزارة التي سيتولون قيادة زمام أمورها ... بمعنى أن الحكومة المقبلة ستعرف دخول وجوه جديدة ذات تخصص وكفاءة عملية مشهود لهم بها، هذا حسب المشاورات الجارية الآن، في حين أن الهاجس السياسي يبقى ثانويا، وذلك لأن التوجيهات تنصب أساسا حول تكوين حكومة سياسية بأشخاص تيقنورقراط وإن كان الأمر ليس مستجدا على الساحة السياسية المغربية.
هذا الوضع أدى بالبعض إلى اعتبار أن الأمر يعد رجوعا إلى الوراء من حيث اعتماد الديمقراطية كخيار، لكن الحقيقة والواقع أظهرا أن الأحزاب بالصراعات التي طفت فيها مؤخرا، برهنت على أنها تعاني من فقر في النظرة الشمولية للمفهوم الصحيح للديمقراطية وللانتقال الديمقراطي، الأمر الذي أعطى للجهات العليا الفرصة كي تأخذ بزمام الأمور، وبالتالي العمل على تسيير دواليب الحكم بعيدا عن المناظرات الحزبية.

الوزراء والسيادة
الأكيد هو أن التغيير الذي ستشهده الحكومة المقبلة هو منح بعض وزارات السيادة لأشخاص متحزبين، ولا نظن أن ذلك سيتجاوز حقائق الخارجية والعدل والأوقاف والشؤون الإسلامية مع بعض التحفظ. لكن قبل هذا وذاك، يبقى التساؤل المطروح حول مدى دستورية وزارات السيادة (!) من المعلوم أن التنظيم الوزاري في المغرب قد شهد منذ بداياته الأولى وزاراء سيادة يتم تعيينهم مباشرة من طرف السلطان / الملك. وإلا فإن الحكومة كلها هي في الأصل حكومة سيادة لأن التزكية النهائية لا تكون إلا بالختم المولوي.. وبالتالي فإن للأحزاب دور محدود يتمثل في تقديم أسماء فقد بحيث يتم الحسم فيها من طرف جهات عليا.
وبالرجوع إلى الدستور المغربي، وبالضبط في بابه الرابع المتعلق بالحكومة. فلا نجد أية إشارة لكلمة السيادة، وإنما الفصول تتحدث عن الوزير الأول وعن الحكومة المؤلفة من الوزراء.. هذه الحكومة التي هي مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان، حيث تعمل على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول.
فالسيادة إذا مردها إلى من يسود، ومن يسود يحكم، ومن يحكم تبقى له جميع الصلاحيات بالإضافة إلى تلك التي يخولها له الدستور.
ففي حديث سابق مع المستشار عبد الهادي بوطالب، مستشار الملك الراحل، أكد أن وزارات السيادة غير دستورية وإنما هي صارت كذلك بالعُرف فقط ولا نص قانوني تعتمد عليه. أما الأحزاب فتتضارب أراؤها حول الموضوع : منها من يقول بضرورة إلغاء وزارات السيادة وإلحاق حقائبها بالمستوزرين المتحزبين، ومنها من تنحو منحى الأجهزة العليا وتقول بضرورة أن تبقى في يد المخزن، لأن عكس ذلك سيؤدي إلى تصفية الحسابات وإلى السيطرة على مرافق يجب أن يبقى للحكم عليها بسط اليد بحيث يعطون مثالا لذلك بوزارة الداخلية.

الوزراء والتغيير
كثر الحديث عن التغيير وعن الممارسة الديمقراطية وعن الآليات الجديدة للحكم وعن المفهوم الجديد للسلطة، وجاءت الانتخابات الأخيرة لتتوج هذا المسار بشفافيتها وباتعادها عن أية ممارسة غير ديمقراطية حسب الجهات الرسمية التي اعترفت لها جل الأحزاب بحسن تدبيرها لملف انتخابات العهد الجديد.. لكنها، أي نفس الأحزاب، عبرت عن امتعاضها من اختيار وزير أول خارج ما أسفرت عنه صناديق الاقتراع .. الأمر الذي يدخل بدوره في إطار التغيير كما عبر عنه أحد السياسيين (!).
إن التغيير المنشود يجب أن يبدأ بإجراء إصلاحات دستورية، على الفرقاء السياسيين تحديد أولوياتها منذ الآن، إصلاحات تحدد الاختصاصات وتوضح المسؤوليات ..
لقد تداولت كلمة التغيير منذ تعيين حكومة التناوب الممنوح، وأخذت الكلمة بعدها الاصطلاحي فقط مع توالي أيام حكومة التغيير، لكن الواقع أثبت أن التغيير الفعلي لم يطرأ إلا على من عينوا من أجل الانتقال بالتجربة التوافقية إلى التجربة الديمقراطية وبقي حال الرعية كما كان عليه إن لم نقل بأنه عرف تقهقرا سواء كان ذلك اجتماعيا أو اقتصاديا أو حتى سياسيا، وبقي الواقع المعيش لغالبية فئات الشعب في حالة تدن مستمر ويفتقد لأبسط مقومات العيش الكريم. نتحدث عن التغيير لكننا نتناسى طرح سؤال مركزي : هل فعلا هناك إرادة من أجل التغيير ؟
على عاتق الوزراء الجدد إذا مسؤولية عظمى، مسؤولية النهوض الاجتماعي، والإقلاع الاقتصادي، وتحقيق النمو المنشود من أجل تحقيق
التغيير المنشود..
يجب على القضاء أن يكون مستقلا، وعلى التعليم أن يكون فعلا نافعا، وعلى التشغيل أن يكون منتجا، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى تنمية اقتصادية تحقق قفزة نوعية تحفظ للمواطن كرامته.. وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق إذا لم تكن فعلا هناك إرادة سياسية من أجل التغيير، وإذا لم يكن وزراء التغيير الذين سنتشرف بمعرفتهم في الآيام القليلة المقبلة يحملون مشروعا مجتمعيا متكاملا، ولهم رؤيا واضحة لخدمة الصالح العالم وترك الشطحات الحزبية الضيقة والمآرب الشخصية جانبا، حينها سيستحقون فعلا لقب وزراء التغيير.

العدد 28 / 24-10-2002

ليست هناك تعليقات: