الثلاثاء، 4 يناير 2011

حسن اليوسفي المغاري في حوار مع "مجلة لالة فاطمة": لابد للإعلامي من لحظة تأمل تتبلور عنها فكرة

حسن اليوسفي المغاري، إعلامي وكاتب، مدير المحطة الإذاعية م. ف. م سايس بفاس، يرى أن على كل صحافي قطع أشواطا في حياته العملية، لابد في لحظة من لحظات عطائه أن يفكر في الإنتاج الفكري والأكاديمي، ليتمخض هذا الإنتاج بالنسبة له عن كتاب"جدلية السياسي والإعلامي في المغرب.." الذي صدر له أخيرا، والذي نسلط الضوء عليه من خلال هذا الحوار.

حوار حجيبة ماء العينين

مجلة لالة فاطمة، العدد المؤرخ في 01 - 15 يناير 2011

* كيف جاءت فكرة الكتاب بداية، ولماذا الان؟

اسمحي لي أولا أن أتقدم بالشكر إلى طاقم مجلة لالة فاطمة على هذه الالتفاتة، ومن خلالكم ايضا أقدم التحية إلى كل القراء..

فكرة الكتاب حاضرة منذ مدة تزيد عن خمسة سنوات خصوصا واني سبق ان قمت ببحث ميداني في الموضوع، واطلعت على مجموعة مهمة من الوثائق التي تؤرخ لحقبة امتزج فيها السياسي بالإعلامي.. هذا إضافة إلى هاجس الكتابة الذي من المفروض أن يلازم أي صحافي خلال مشواره الإعلامي.

فبالرجوع إلى الحقبة التاريخية موضوع الدراسة، وبالعودة إلى وثائق وادبيات الأحزاب السياسية، وبالاطلاع على أرشيف الخزانة الوطنية، وجدت كما هائلا من المعلومات ومن الوثائق التي ارتأيت تدوينها من الناحية التاريخية وجمعها في عمل إعلامي متكامل يمكن أن يجد فيه الباحث والطالب والمتخصص، مرجعا يؤرخ لفترة تاريخية من زمن الإعلام المغربي المتعلق بالصحافة الحزبية.

أما بخصوص تساؤلك لماذا الآن، فكما سبق أن أشرت، فلا بد أن تكون في حياة الإعلامي لحظة تأمل، وهذه اللحظة يجب أن تتبلور عنها فكرة، والفكرة يجب أن تخرج إلى حيز الوجود..

لا أريد أن أعطي دروسا لأحد، لكني مقتنع أنه على كل صحافي قطع أشواطا في حياته العملية، لابد في لحظة من لحظات عطائه أن يفكر في الإنتاج الفكري والأكاديمي.

* ولكن هل ترى أن الصحافة لاتزال فعلا تساهم بشكل كبير في تقوية النخب الثقافية والسياسية؟

من خلال الدراسة والاطلاع على الوثائق التي همت الفترة الزمنية موضوع الكتاب، يتبين أنه كانت للصحافة فعلا ذلكم الدور الإيجابي الذي يساهم في تشكل النخب السياسية والثقافية، كما أنها ساهمت في تقويتها. وهذا ما نلحظه خصوصا خلال الفترات الأولى بعد إعلان الحماية على المغرب، ثم مرحلة تشكل الحركة الوطنية وما واكبها من إصدارات للصحف التي كانت بمثابة وسيلة ساهمت بشكل عملي وكبير في تقوية النخب السياسية والثقافية، الأمر الذي انعكس إيجابا على الوضع السياسي والثقافي المغربي بصفة عامة.. ولعل الأمر ذاته ينطبق على فترة ما بعد الاستقلال إلى نهاية السبعينيات، وإن كان السؤال يطرح نفسه بقوة على الفترة الحالية.

* هل هذا يعني أن هناك ضعفا الآن في النخب السياسية، وبالتالي غيابا لدور الصحافة ؟

الواقع السياسي الحزبي الآن تعبر عنه صناديق الاقتراع من خلال نسب المشاركة في المحطات الانتخابية.. فهل هناك تأطير يساهم في تشكيل نخب ثقافية وسياسية؟ الواقع يقول عكس ذلك. إن عدم اقتناع المواطن العادي بالدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية حاليا، والنظرة السلبية اتجاه هذه الأحزاب من طرف مختلف شرائح المجتمع، يؤدي حتما إلى فقدان الثقة. نفس الأمر ينطبق على الدور الذي يمكن ان تقوم به الصحافة الحزبية، وأنت تعلمين معي أن هناك أحزاب سياسية لها جرائد لا يقرؤها حتى مناضلوا تلك الأحزاب فبالأحرى المواطن العادي.. وهناك أحزاب لا تصدر "جرائدها" إلا في المناسبات الانتخابية، وجرائد لا يتعدى حجم طبعها الـ 500 نسخة. فضلا عن عدم انخراط النخب المثقفة حاليا في العمل السياسي.. أمام هذا الوضع إذن، يطرح التساؤل هل من دور للصحافة في تقوية النخب الثقافية والسياسية؟ لاحظي معي أن معظم ما ينشر الآن في الصحف الحزبية هو مجرد أخبار وتقارير وبعض القراءات..وفي ظل تدني نسبة المقروئية، هل يمكن لنا الحديث عن مساهمة مثل هذه الجرائد في تقوية النخب، بل وحتى تعميق النقاشات بخصوص قضايا حزبية تهم أهل الدار؟

* هذا يجرنا إلى سؤال متى تبدأ العلاقة بين السياسي والاعلامي ومتى تنتهي؟

في وقت من الأوقات كان الحديث عن العلاقة بين السياسي والإعلامي، يأخذ منحى إيجابيا بحكم الضرورة الملحة، وهنا وجب أن نحدد بأننا بصدد الحديث عن علاقة الحزب كهيأة سياسية بالوسيلة الإعلامية، الجريدة، حيث كانت الضرورة تدعو لأجل المساهمة في التأطير و التوعية السياسية، و في بناء جيل سياسي مثقف، و في تشكيل رأي عام فاعل ونخبة سياسية قادرة على مواجهة التحديات في مختلف تجلياتها... من هذا المنطلق يمكن الحديث عن وجود علاقة بين السياسي والإعلامي من خلال استعمال الوسيلة الإعلامية. أما متى تنتهي هذه العلاقة، فهذا أمر يصعب الجزم بإمكانية وقوعه لسبب بسيط يتمثل في استحالة تخلي أي طرف عن الثاني، سواء بشكل مضمر أو صريح.

* كيف تصف لنا العلاقة القائمة بين الحزب والجريدة الآن مقارنة مع الحقبة الزمنية التي أشرت اليها في الكتاب؟

هذا جزء من الدراسة الذي سيتضمنه الجزء الثاني من الكتاب، لكن بصفة عامة يمكن القول بوجود شيء من الاختلاف. فكلنا يعرف ما ميز الفترة الزمنية التي تبتدئ من منتصف التسعينيات إلى الآن, لكن حضور الحزب كهيأة سياسية مايزال قائما ضمن صفحات الجريدة، وما يجب أن نصل إليه هو التعامل مع الجريدة الحزبية على أنها مقاولة إعلامية منتجة.

* مارأيك في المشهد الاعلامي المغربي؟

الحديث عن المشهد الإعلامي المغربي يحتم علينا تناوله من جوانبه المختلفة، بمعنى الإعلام المكتوب، الإعلام المسموع، الإعلام المرئي.. مع عدم إغفال الإعلام الإلكتروني الذي أضحت له كلمته قي عصر العولمة الإعلامية.

بالنسبة للإعلام المكتوب، الملاحظ أن هناك تطورا لا يمكن لنا أن ننكره، سواء تعلق الأمر بعدد الإصدارات أو بالشكل والمضمون، بل ومن حيث وجود مؤسسات إعلامية بمنطق المؤسسة. هذا الأمر ينطبق عمليا على المؤسسات المستقلة أو بالأحرى الحرة التي تشتغل في إطار مقاولاتي..

لكن يبقى التساؤل المطروح هة مدى مساهمة هذه المنابر في خلق وتأطير رأي عام واع بكل مسؤولياته، وحول مدى مساهمتها في خلق نقاش حر ونزيه في مختلف القضايا المطروحة، ومدى حرصها على تقديم منتوج إعلامي مهني بكل معايير الجودة المطلوبة، ومدى تحقيقها للاستقلالية واحترامها للرأي والرأي المعارض..

يمكن للمرء القول بأن هناك انفتاحا واتساعا في هامش حرية الرأي والتعبير، وذلك بالنظر إلى طبيعة المواضيع والملفات التي صرنا نطالعها على صفحات الجرائد، لكن مقابل ذلك، هناك احتقان بين الدولة وبعض المنابر الإعلامية وبعض الصحافيين، الأمر الذي أدى إلى تسجيل العديد من حالات التضييق والمحاكمات والمصادرات والغرامات المالية الخيالية، بل وتابعنا محاكمات سالبة للحرية، إضافة إلى "تصفية حسابات" بين الدولة وبعض الصحافيين أو المؤسسات الصحفية.

وبخصوص المشهد الإعلامي السمعي البصري، فإن الحديث أيضا يتطلب الفصل بين القطب العمومي و القطاع الخاص.

بالنسبة للقطب العمومي فإن تجلياته ظاهرة للعيان خصوصا بالنسبة للشق البصري (التلفزة العمومية). ولعل تدني نسب مشاهدة قناتنا الوطنية مقارنة بالقنوات الفضائية الدولية والعربية المفضلة لدى المغاربة، خير دليل على مدى تتبع واهتمام المواطن المغربي لما هو محلي، أضيفي إلى ذلك "الفضائيات المغربية" التي تظهر بئيسة أمام القنوات الفضائية العربية شكلا ومضمونا.

أما بالنسبة للانفتاح الذي شهده قطاع السمعي بالخصوص، فإن التجربة في سنواتها الأربع الأولى، وقد أظهرت وجود توازن كما وجود اختلالات، ولعل خير دليل على ذلك عدد الملاحظات والقرارات التأديبية بل و الجزائية التي لحقت مجموعة من المحطات من طرف الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري لعدم احترام تلك المحطات في شخص منشطيها لبنود دفتر التحملات.. بل لاحظنا انحراف بعض البرامج لتصبح بوقا للرداءة بعيدة كل البعد عن المغزى الحقيقي للانفتاح..

إذا كانت حرية التعبير تكفلها المواثيق الدولية، فإن الحرية أيضا إلتزام، والإعلام رسالة نبيلة الهدف منها المساهمة في التثقيف و التوعية والمساهمة في بناء الفرد والمجتمع، دون نسيان المساهمة في تربية الذوق الرفيع لدى المتلقي، وفي تشكيل رأي عام مستنير، واع بمسؤولياته، حريص على الجودة ونابذ للرداءة.

* خلصت في نهاية كتابك الى ضرورة استقلالية الصحافة استقلالا تاما عن كل تبعية سياسية، هل ترى اليوم أننا في المغرب استطعنا تحقيق جرائد مستقلة عن الأحزاب؟

المقصود بالتبعية السياسية هو الخضوع لكل أوجه الضغط الحزبي، والابتعاد عن الاستقلالية المفروض توفرها في المشهد الإعلامي بعيدا عن قوى الضغط السياسية التي تؤثر في أدائه.

أنا لا أنكر أحقية الأحزاب السياسية في امتلاك إعلام حزبي، لكن المطلوب هو التعامل مع الوسيلة الإعلامية بمهنية بعيدا عن كل المزايدات السياسوية والديماغوجية، وبعدم المراهنة على التغليط أحيانا وقلب الحقائق أحايين أخرى، وبعدم التعامل مع الأحداث من وجهة نظر أحادية، الأمر الذي يؤدي لامحالة إلى فقدان المصداقية والابتعاد عن النزاهة الفكرية، وجعل الوسيلة الإعلامية وسيلة لتحقيق الغايات، بل مجرد بوق ليس إلا. هنا يمكن أن نتساءل عن مدى إمكانية وجود وسيلة إعلامية حزبية حرة أو مستقلة بالمفهوم المتداول لمعنى كلمة "مستقلة".

مع ذلك، يمكن الإقرار بوجود مؤسسات إعلامية بعيدة عن المؤسسات الحزبية، لها خط تحريري مستقل وإن كنا نستشف من خلال كتابة بعض الزملاء انتماءاتهم الحزبية. فمثلا لم نر لحد الآن من ينتمي للفكر اليساري يتحدث عمن ينتمي للحركة الإسلامية دون إدراج كلمات من قبيل "الظلامية" أو "المتأسلمة"..

أما الحديث عن الاستقلالية في جانبها المالي، فإن العديد من المؤسسات الصحافية الحرة أضحت الآن مستقلة ماليا، وذلك بحكم انتهاجها سياسة المقاولة الإعلامية، وباتت إيراداتها المالية تعتمد أساسا على الإشهار و المبيعات.. أي تحقيق التوازن المالي.

* متى سنقرأ الجزء الثاني من الكتاب؟

أصدقك القول، أنا الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على كتاب آخر يتناول موضوع الصحافة العربية الإلكترونية، هذه الوسيلة الإعلامية الإفتراضية التي أضحت لها كلمتها في عالم الإعلام.. العمل الذي سوف أحاول أن يرى النور خلال النصف الأول من السنة المقبلة. بعد ذلك سيكون بحول الله وقوته الجزء الثاني من جدلية السياسي والإعلامي في المغرب، 1996 – 2012.

* ماهي الخلاصة التي تريد ان تصل اليها بمؤلفك هذا؟

ما دامت هناك صحافة مكتوبة أو أي وسيلة إعلامية أخرى لها علاقة عضوية بأي هيأة سياسية، فإن خطها التحريري سيكون بالضرورة معبرا وخاضعا لرؤى تلك الهيأة، أما بخصوص سؤال المصداقية والاستقلالية فيبقى موضع نقاش دائم. لكن لكل سيرورة إنتاجية حيثياتها التي توجب هي الأخرى وقفة تأملية.


ليست هناك تعليقات: