ما استفادةُ الطبقات المحرومة ؟
بعد أن تم الإعلان في بداية شهر مايو 2003 في أعقاب اختتام جولة أبريل من الحوار الاجتماعي،عن التوصل إلى توافق حول المقتضيات العالقة لمشروع مدونة الشغل بين الحكومة والفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، وبعد التوقيع على نتائج الجولة في نهاية شهر يناير 2004، يكون التطبيق الفعلي للمدونة والذي سيدخل حيز التنفيذ في التاسع من هذا الشهر، قد أخذ طريقه إلى الممارسة الفعلية في أجواء لا زالت تكتنفها الكثير من العقبات الميدانية، وفي ظل أوضاع اقتصادية غير مستقرة وفي تدن مستمر..
إن الحديث عن العلاقة التي تجمع الأجير بالمقاولة، خاصة كانت أم عامة، فإن الجهات الرسمية سبق أن أكدت بأن تحديث العلاقات المهنية داخل المقاولات، هي وفق ضوابط وقواعد قانونية، تصون حقوق الأطراف وتضمن مطابقة التشريع الوطني مع المبادئ المتعارف عليها دوليا، وعلى وجه الخصوص المجالات المتعلقة بالحرية النقابية وحماية ممثلي الأجراء وحماية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية..ستدخل إذن مدونة الشغل الجديدة حيز التطبيق بداية من الأسبوع الثاني من هذا الشهر، وذلك بعد مرور ستة أشهر على نشرها بالجريدة الرسمية يوم 08 دجنبر 2003 (الجريدة الرسمية عدد 5167) طبقا لما أقرته المادة 589 من نص المدونة. علما أن هذه المدونة التي من المنتظر أن تنصف الأجير البسيط وتمنحه على الأقل حقوقه، تعثر إخراجها إلى حيز الوجود على مدى حوالي 23 سنة.. أي منذ 1981 ..؟!
فقد سبق للحوار الاجتماعي أن خرج بتوافق حول مجموعة "مكاسب" ظلت محط نزاع بين السلطات الحكومية وباقي الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، بحيث اعتبرت الجهات الرسمية أن تخفيض مدة العمل من 48 إلى 44 ساعة في الأسبوع، وإقرار مبدأ المرونة، واعتماد نظام التعويض عن فقدان العمل لأسباب اقتصادية أو هيكلية، وتحديد نظام التعويضات عن الإعفاء أو عن الضرر، مكاسب أساسية لمدونة الشغل..
أما فيما يتعلق بمسألة فض النزاعات ووضع الإطار التنظيمي لممارسة حق الإضراب، فقد اتفقت الأطراف على تطوير آليات لحل النزاعات الاجتماعية ووضع إطار قانوني ينظم هذا الحق.. ليبقى الغياب الملحوظ هو الحديث عن الفوارق الاجتماعية، ومسألة الأجور العليا والأجور الدنيا، وسياسة الطبقية التي تكرسها الحكومة أمام عجز وفقر الغالبية العظمى من فئات الشعب المحرومة.. ولعل الزيادة المعلنة في أجور "علية القوم"، خير دليل على تلك السياسة "المعولمة" التي لا تمت بأية صلة للنموذج الاجتماعي الحداثي الديمقراطي المنشود!.. ولا تساعد البتة في حل الإشكالات العالقة من قبيل خلق فرص جديدة للشغل ومحاربة البطالة، وتقليص العجز الاجتماعي الحاصل في معظم المجالات وأكثرها حيوية: التربية والتعليم، الصحة والسكن وتنمية العالم القروي وتحسين ظروف عيش المواطن القروي، محاربة الأمية والفقر والتهميش الذي تعاني منه معظم الفئات الكادحة والمحرومة، إضافة إلى ضرورة سن سياسة تنموية شاملة، كلها إشكالات تعتبر آنية وتتطلب استنفار جهود كل الفرقاء، وقبل ذلك، تتطلب وجود مسؤولين ذوي نيات حسنة همهم أولا وأخيرا الصالح العام.سيبدأ العمل إذن يوم 8 يونيو الجاري بمقتضيات مدونة الشغل الجديدة، ومعها يبقى السؤال الأساسي هو مدى فرضية تطبيق نصوصها التنظيمية من طرف المشغلين على الرغم من المؤاخذات المسجلة عليها، ومدى استعداد الجميع للعمل على تطبيق القانون سيما وأن مفتشي الشغل لهم عدة مؤاخذات، بل ولهم مطالبهم الخاصة المرتبطة أساسا بضعف الإمكانات المسخرة ماديا ومعنويا..فحسب المعلومات المؤكدة من طرف الجمعية المغربية لمفتشي الشغل، إن عدد المفتشين يبلغ 462 مفتشا بنهاية دجنبر من السنة الفارطة. وقد زادت مدونة الشغل الجديدة من مهام ومسؤوليات المفتشين، الأمر الذي دفعهم إلى اتخاذ أشكال نضالية من قبيل تنظيم ندوات للتحسيس بواقعهم، بل ووصل الأمر بهم إلى اتخاذ قرار شن إضراب وطني يوم فاتح ماي، وينتظر أن ينظموا وقفة احتجاجية أو إضراب وطني يوم دخول المدونة حيز التطبيق..
هذا إذن هو واقع جهاز من المفترض حسب المدونة الجديدة أن يكون ساهرا على تطبيق بنود قانون المرونة! هذا القانون الذي لاشك أنه يتضمن نواقص وسلبيات أولها مفهوم المرونة، نجد أنه يذهب إلى التخفيف من العقوبات الزجرية بالنسبة للمشغل الذي ينتهك قانون الشغل، إضافة إلى تمكينه من تقليص مدة العمل مع تقليص الأجور، وإمكانية تسهيل وتسريح العمال.. ثم إلغاء المدونة لقانون السلم المتحرك للأجور، و ترسيخها وتعميقها الحيف ضد أجراء القطاع الفلاحي، والمقاولات المنجمية والبحارة وحراس العمارات السكنية.. إضافة إلى تقزيم دور النقابة على مستوى المقاولة وتقنين الإضراب وعدم التركيز على بند ضرورة مراجعة الأجور والإصلاح الضريبي المرتبط بها، و عدم تقوية الإجراءات المتعلقة بالتغطية الصحية، - الحديث الآن على التأمين الإجباري على المرض في يونيو 2005 - ، وعدم توسيع مجال الخدمات الاجتماعية الموجهة لليد العاملة وتحسين ظروف الشغل التي تشهد خروقات جمة في العديد من الميادين.أما الحديث عن الواقع الاقتصادي والصناعي وقدرة المغرب على دخول عالم التنافسية، عالم العولمة، فإن الوضعية التنافسية في سوق الشغل العالمية، لا تعطي أي فرصة للمغرب في ظل الظروف الحالية، إذ أنه بعيد كل البعد عن عصرنة القطاع الصناعي والقطاعات المنتجة الأخرى.وقد أكدت الإحصائيات أن سمات سوق الشغل المغربية تبرز أن 5.5 مليون من السكان يشتغلون في القطاع غير المهيكل، كما أن 70% من اليد العاملة سنة 2003 لا تمتلك أية شهادة، و 65% من اليد العاملة توجد في وضعية السكان الأميين بالإضافة إلى أن نسبة البطالة التي تمس أساسا فئة الشباب والنساء، إذ أن 30% من هؤلاء الشباب المعطلين حاملو شهادات جامعية ومهنية، و19.3% نسبة العطالة في المناطق الحضرية..معطيات تؤكد بالملموس أن زحف العولمة الرأسمالية في غياب أي قدرة تنافسية، سيلتهم كل حقوق الفئات العاملة، بل وكل الشعوب الفقيرة .
تاريخ النشر : 06/07/2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق